للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تلك المفاسد، فقديماً قال قوم لوط: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} ١، فكانت الطهارة مفسدة عقوبتها النفي في منطق هؤلاء، وأن المستوطن الصالح الذي يتمتع بخيرات بلده هو الذي يزاول فاحشة اللواط، ويدعو إليها، فهل خلق هؤلاء بلا عقول تهتدي إلى معرفة وجه المصالح، والمفاسد؟ وهل يظن الطوفي أن العقول لا تختلف في مصلحة هذا الجرم وفساده٢؟

كيف! والواقع المشاهد يقطع بأن العقول تختلف فيما يعتبر مصلحة ومفسدة، وفي طريق تحصيل المصلحة، ودفع المفسدة "وليته تخلف به الزمان حتى رأى عصرنا الحاضر، وتعقد مسائله، وحيرة أهله، وتضارب آراءهم، وتباين مذاهبهم، إذاً لوجد أن المصلحة التي سماها حقيقة لا تختلف ليست إلا سراباً قد ضل سعي الناس وراءه"٣، ولأجل هذا جاءت الشريعة السمحاء لتهدي الناس إلى تحصيل مصالحهم، ودرء مفاسدهم، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ٤، وقال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ٥. الآية.

"فالخالق أدرى حيث تكمن مصالح عباده، وحيث تكمن مضارهم، ومن هنا كانت المصلحة الحقيقية ما عرفت بهدي النصوص أو توابعها، ولا عبرة بمن قد يحسبها مفسدة، وكان كل ما خالفها مفسدة ولا عبرة يوهم من ظنها مصلحة"٦.

وأما الوجه الثالث: فإن ما ادعاه من معارضة السنة بالمصلحة، وما سرده من أمثلة لذلك جعلته يرى أن تقديم رعاية المصلحة على باقي أدلة الشرع راجح


١ سورة النمل آية: ٥٦.
٢ انظر: نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي ص ٥٦٢ - ٥٦٣.
٣ انظر: ضوابط المصلحة ص ٢١٥.
٤ سورة الإسراء آية: ٩.
٥ سورة الشورى آية: ٥٢.
٦ ضوابط المصلحة ص ٢١٥.

<<  <   >  >>