للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متعين كما قال، فإن هذه الدعوى باطلة، لأن هذه الوقائع التي ذكرها مشتملة على عمل من الشارع نفسه صلى الله عليه وسلم، فإن المستند فيها هو قوله، أو فعله، أو تقريره صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي ترك البيت، ولم يعد بناءه على قواعد إبراهيم، وتركه له على الحالة التي هو عليها نص، لا أنه عارض النص بالمصلحة كما يقول الطوفي، لأن قوله وفعله وتقريره كلها نصوص كما هو معلوم عند الجميع.

وأما مسألة التيمم، فإن سبب مخالفة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إنما هو تفسير للمس في قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} ، بأن المراد به اللمس الذي ينقض الوضوء١، وإنكاره اقتناع عمر بقول عمار، وقد روى عنه وعن عمر رضي الله عنهما، أنهما رجعا عن قولهما، فليس إذاً مخالفة ابن مسعود في هذه المسألة هي أخذه مصلحة الاحتياط كما يقول الطوفي.

وأما صلاة الصحابة رضي الله عنهم لصلاة العصر قبل الوصول إلى بني قريظة، مع نهيه صلى الله عليه وسلم عنها، فإنما كان لأنهم راوا أن مراده صلى الله عليه وسلم من النهي الحث على سرعة الوصول إليها، لا أنه نهى عن الصلاة نفسها وقد صرح الطوفي بذلك في دليله.

وأما التوقف عن فسخ الحج في العمرة بعد تسميته مع أمره صلى الله عليه وسلم لهم بجعله عمرة، فلم يكن لتقديم المصلحة على السنة، وإنما كان تحرجاً منهم لما ألفوه من منع فسخ الحج قبل إتمام مناسكه، ولكونهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم باقياً على إحرامه، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة" ٢، فتحللوا ولم يبق توقفهم سنة لعدم إقراره صلى الله عليه وسلم"٣.


١ انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٥/٢٢٣، والآية من سورة النساء: ٤٣.
٢ انظر: صحيح مسلم ٤/٣٨.
٣ انظر: المصلحة في التشريع الإسلامي ص ١٤٧، ونظرية المصلحة في الفقه الإسلامي ص ٥٦٨.

<<  <   >  >>