على هذين المرسومين (حيث أولهما يختص بالمجتهدين والثاني يختص بعوام الشيعة) يعتمد علماء المذهب بفتح باب الاجتهاد وعدم الأخذ بآراء الأموات من الفقهاء وعليهما يستند المجتهدون في وجوب التقليد على عوام الشيعة، وبعد الغيبة الكبرى تصدى لشؤون الشيعة الدينية علماء المذهب واحداً تلو الآخر ولم تنقطع القيادة المذهبية بين المجتهدين والعامة وإن شئت قل بين القاعدة والقمة حتى كتابة هذه السطور وذلك بسبب فتح باب الاجتهاد ووجوب تقليد العوام لرأي المجتهدين، أما الفرق الإسلامية الأخرى فسدت هذا الباب لصعوبات بالغة تعترض العمل الاستنباطي اللهم إلا السلفية يجتهدون في الفروع الفقهية التي لا نص فيها وتخضع لأدلة الاستنباط من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، أما علماء الشيعة فاستبدلوا القياس بالدليل العقلي واتخذوه الأصل الرابع من أصول الاستنباط ومن أغرب الأمور أن فقهاء الشيعة ينسبون أنفسهم إلى المذهب العقلي في استنباط الأحكام الشرعية ولكنهم في الحقيقة أبعد الناس عن استعمال العقل في طريقة الاستنباط.
وليت شعري أن أعرف كيف يستند علماؤنا - سامحهم الله - على العقل في فهمهم للأحكام الشرعية ولاستنباطهم المسائل الفقهية وهم يسلمون بلا جدل ولا نقاش بروايات نسبت إلى أئمة الشيعة وجاءت في الكتب التي يعتبرونها صحيحة وموثوقة وهي تتناقض مع العقل، نعم إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المقصود من استخدام العقل عند فقهاء الشيعة إنما هو استخدام الأدلة العقلية التي أسس عليها علم أصول الفقه - في التصور الشيعي - العلم الذي لعلماء الشيعة باع طويل في تأسيسه وتأليفه وهي كيفية استخدام الأدلة العقلية لفهم الأحكام الشرعية وبغض النظر عن منطوقها مثل مبحث الظن والقطع والاستصحاب والتعادل والتراجيح وغيرها من الأبحاث الأصولية التي ذكرها علماء " أصول الفقه " في كتبهم، و " أصول الفقه " علم جميل بحد ذاته وله مزاياه العقلية ومع الأسف البالغ إن الفقهاء لم يستخدموها في اللباب بل استخدموها في القشور.
وقبل أن أتحدث في النظرية الاجتهادية أود أن أذكر هنا أمرين لا بد من الإشارة إليهما:
الأمر الأول: أود أن أشير إلى ذلك الخطأ الرهيب الذي وقع فيه كتاب وباحثون