للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: (نعم صلي أمك). وعن أبي هريرة قال: مر رسول صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي بن سلول وهو في ظل فقال: قد غبر علينا ابن أبي كبشة-يقصد رسول الله عليه من الله مايستحق-، فقال ابنه عبد الله: والذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب لئن شئت لأتيتك برأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا، ولكن بر أباك وأحسن صحبته ". رواه الطبراني في الأوسط وقال: تفرد به زيد بن بشر الحضرمي، قال أبو السعادات الشيباني في جامع الأصول في أحاديث الرسول عن زيد بن بشر وثقه ابن حبان وبقية رجاله ثقات.

وعلى هذا فالبر بالوالدين فرض عين، ولا يختص بكونهما مسلمين، بل حتى لو كانا كافرين يدعوان ابنهما إلى الشرك فيجب برهما والإحسان إليهما ما لم يأمرا ابنهما بشرك أو ارتكاب معصية , وفي هذه الحال عليه أن يقول لهما قولاً ليناً لطيفاً دالاً على الرفق بهما والمحبة لهما، ويجتنب غليظ القول الموجب لنفرتهما، ويناديهما بأحب الألفاظ إليهما، وليقل لهما ما ينفعهما في أمر دينهما ودنياهما، ولا يتبرم بهما بالضجر والملل والتأفف، ولا ينهرهما، وليقل لهما قولاً كريماً وليدعوهم إلى الإسلام برفق, ومن العجيب في هذا الباب أن بعض الفقهاء قال إذا طلب أحد الوالدين الكافرين من ولدهما إيصالهما إلى الكنيسة لعجزه عن الوصول إليها، فالواجب على الولد إيصاله إليها، ووجوب البر بهما في هذا الأمر مقيد بحال الطلب ووجود العجز، وإلا لم يجب على من ذهب هذا المذهب نص على هذا فقهاء المالكية.

وقال ابن عاشور (قال فقهاؤنا: إذا أنفق الولد على أبويه الكافرين الفقيرين وكان عادتهما شرب الخمر اشترى لهما الخمر لأن شرب الخمر ليس بمنكر للكافر، فإن كان الفعل منكراً في الدينين فلا يحل للمسلم أن يُشايع أحد أبويه عليه

. انتهى). واعلم أني أورد هذه الأقوال لا لترجيحها بل لحكايتها بياناً لأهمية بر الوالدين , ولتعلم أخي القارىء أن الأقارب الكفار الغير محاربين يُلحقون بالوالدين الكافرين من المصاحبة في الدنيا بالمعروف وخاصة إذا كان يعسر التحرز من هجرهم لسببٍ ما فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الخالة بمنزلة الأم) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. إلا أنه ينبغي أن يُعلم بأن مشروعية التعامل بالإحسان والبر بالوالدين الكافرين وصحبتهما بالمعروف وصلة الرحم الكافرة يكون دون موالاتهم وطاعتهم فيما يريدون من الشرك ومعصية الله تعالى , فعن أبي عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاراً غير سر يقول (إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين ولكن لهم رحم أبلها ببلالها) متفق عليه واللفظ للبخاري.

من الأمور المعينة على البر:

من الأمور المعينة على البر: الاستعانة بالله , وصلاح الآباء , والتواصي بالبر , وإعانة الأولاد على البر, والتوفيق بين الزوجة والوالدين وذلك بزيادة البر بالوالدين بعد الزواج.

شروط بر الوالدين على وجه الكمال:

شروط البر ثلاثة:

١ - أن يؤثر الولد رضا والديه على رضا نفسه وزوجته وأولاده والناس أجمعين.

٢ - أن يطيعهما في كل ما يأمرانه به وينهيانه عنه ما لم يأمراه بمعصية.

٣ - أن يقدم لهما كل ما يلحظ أنهما يرغبان فيه من غير أن يطلباه منه عن طيب نفس وسرور مع شعوره بتقصير في حقوقهما ولو بذل لهما دمه وماله.

الفرق بين البر والصلة:

الأقارب لهم الصلة والوالدان لهما البر , والبر أعلى من الصلة لأن البر كثرة الخير والإحسان لكن

<<  <   >  >>