للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: يُفْطِرُ وَلَهُ أَجْرُ الْبِرِّ وَأَجْرُ الصَّوْمِ إذَا أَفْطَرَ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى: إذَا أَمَرَهُ أَبَوَاهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ قَالَ: يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَفِي الصَّوْمِ كُرِهَ الِابْتِدَاءُ فِيهِ إذَا نَهَاهُ وَاسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ مِنْهُ , وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقَالَ يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي. انْتَهَى كَلَامُهُ. ثم قال: وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَمَّادٍ الْمُقْرِي فِي الرَّجُلِ يَأْمُرُهُ وَالِدُهُ بِأَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ لِيُصَلِّيَ بِهِ قَالَ يُؤَخِّرُهَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: فَلَوْ كَانَ تَأْخِيرُهَا لَا يَجُوزُ لَمْ تَجِبْ طَاعَتُهُ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي الرَّجُلِ يَنْهَاهُ أَبُوهُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ قَالَ لَيْسَ طَاعَتُهُ فِي الْفَرْضِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي بَحْثِ مَسْأَلَةِ فُصُولِ الْقُرُبَاتِ عُقَيْبَ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَمَّادٍ فَقَدْ أَمَرَ بِطَاعَةِ أَبِيهِ فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ وَتَرْكِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ , وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ نُدِبَ إلَى طَاعَةِ أَبِيهِ فِي تَرْكِ صَوْمِ النَّفْلِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قُرْبَةً وَطَاعَةً ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ هَارُونَ الْمَذْكُورَةَ

انتهى.

وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية في موضع آخر: وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ –يقصد الولد-فِي الْحَضَرِ كَالصَّلَاةِ النَّافِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُهُ –يقصد الوالد-وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَعْتَبِرُهُ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

انتهى.

وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية في موضع آخر: وَذَكَرَ أَبُو الْبَرَكَاتِ أَنَّ الْوَالِدَ لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ , وَكَذَا الْمُكْرِي وَالزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ أَحْمَدَ , وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ , وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا تَأَكَّدَ شَرْعًا لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ وَلَدِهِ فَلَا يُطِيعُهُ فِيهِ , وَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ لَا يُطِيعُهُمَا فِي تَرْكِ نَفْلٍ مُؤَكَّدٍ كَطَلَبِ عِلْمٍ لَا يَضُرُّهُمَا بِهِ .. انتهى.

وأما طاعة الوالدين في المشتبهات فواجبة ما لم يجد حرجاً شديداً فلا تلزمه وعليه بمداراتها والأفضل بلا شك طاعتهما وليفعل المسلم ما هو أصلح لقلبه , قال النووي في شرحه لمسلم: وقد أوجب كثير من العلماء طاعتهما في الشبهات.

وأما حكم طاعتهما لحاجتهما في ترك فروض الكفاية فلا شك أن طاعتهما الواجبة المتعينة مُقدمة على فرض الكفاية لحديث مسلمٍ فيمن أراد البيعة وَأَحَدُ والديه حيّ، وفيه دلالة على تقديم صحبتهما على صحبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم.

وتقديم خدمتهما - الّتي هي واجبة عليه وجوباً عينيّاً - على فروض الكفاية، وذلك لأنّ طاعتهما وبرّهما فرض عينٍ، والجهاد فرض كفايةٍ، وفرض العين أقوى.

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وَقَالَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ إنَّ لِلْوَالِدِ مَنْعَ الْوَلَدِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِ ; لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ الْغَزْوِ وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ , وَالتَّطَوُّعُ أَوْلَى وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ (لَا يُجَاهِدُ مَنْ أَبَوَاهُ مُسْلِمَانِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا يَعْنِي تَطَوُّعًا) إنَّ ذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَإِنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاحْتَجَّ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ: وَلِأَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَفَرْضُ الْعَيْنِ مُقَدَّمٌ , فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ سَقَطَ إذْنُهُمَا , وَكَذَلِكَ كُلُّ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ , وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا وَجَبَ كَالْحَجِّ وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمَعِ وَالسَّفَرِ لِلْعِلْمِ الْوَاجِبِ لِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُ الْأَبَوَيْنِ فِيهَا كَالصَّلَاةِ

انتهى.

وهنا تنبيه مهم وهو أن أمر الوالدين لولدهما بالمعروف واجب الطاعة للولد , ولكن إذا كان الأمر المقصود به الإكرام لولدهما فلا يجب على الولد إلا إذا خاف مفسدة من وراء ذلك.

الفرق بين المشقة والأذى والضرر:

بدايةً يجب أن نعلم بأن المشقة مُرادفة للأذى فلا يوجد فرق بينهما يُذكر على حد علمي أما الفرق بين المشقة والضرر فاعلم أخي المسلم أنه لا يكاد يخلو امتثال أمر من نوع مشقة، لأن النفس تميل إلى الراحة والدعة وتنفر مما لا يناسبها، ويظهر هذا بجلاء إذا كان الأمر بما يُخالف هوى المرء،

<<  <   >  >>