للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلاح. قد بين صحة ما قلنا في ذلك، الخبر الذي ذكرناه عن ابن الزبير في قصة أسماء وأمها

انتهى).

ويقول الله سبحانه (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) وهذا عام , بل قيل أن للمحارب حظاً من الإحسان الذي

لا يؤدي إلى تعظيم شعائر الكفر أو الإعانة على الباطل أو يدل على مودتهم كما قال تعالى في وصفه للأبرار (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا) , ومن المعلوم أنه لم يكن وقت نزول الآية أسيراً إلا الكافر المحارب.

قال ابن الوزير اليماني رحمه الله في كتابه إيثار الحق على الخلق " وأما المخالفة والمنافعة وبذل المعروف وكظم الغيظ وحسن الخلق واكرام الضيف ونحو ذلك فيستحب بذله لجميع الخلق إلا ما كان يقتضي مفسدة كالذلة فلا يبذل للعدو في حال الحرب كما أشارت إليه الآية: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين" كما يأتي

انتهى".

وعلى هذا فالواجب على المسلم أن يُخالق الناس بخلق حسن، حيثما كان في بلاد المسلمين أو خارج بلاد المسلمين، فقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، وإن الرجل ليبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم كما دل عليه الحديث، وأول بركات حسن الخلق أنه يفتح لصاحبه مغاليق القلوب، ويؤلف عليه النفوس فتُصغي إليه وتقدر منهجه ودعوته، ويكون ذلك طريقاً قاصداً لقبولها للإسلام أو لحسن الظن به وعدم معاداته على الأقل، وقد أمرنا الله عز وجل بالبر والقسط بالمسالمين لنا من غير المسلمين كما ذكرنا. وقد أوصانا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالجار ولو كان من غير المسلمين، فقال تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) والجار الجنب في بعض أوجه تفسيرها هو الجار غير المسلم، وكلنا يعلم قصة اليهودي الذي كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وكان يرفق به ويحسن إليه ولا يُقابل إساءته بمثلها وكان ذلك سبباً في إسلامه، وقيل أن الصاحب بالجنب هو الذي يلصق بك رجاء خيرك , وقيل الرفيق.

واعلم أخي القارىء أنه لامانع من إكرام الضيف الكافر لكن مع عدم إتحافه بالطُرف واللُطف والانبساط إليه كما تنبسط مع إخوانك المسلمين المتقين.

وعلى كل حال فالذي نوصي به هو حُسن الخلق، فهؤلاء الغير مسلمين لهم حق الجوار وحق الدعوة، فحق الجوار يقتضي الإحسان إليهم، وحق الدعوة يقتضي الصبر عليهم ومداراتهم وتألف قلوبهم بالإحسان إليهم والتجاوز عن هفواتهم، ولا تعارض بين هذا الذي نقول وبين الولاء الذي جعله الله وقفاً على أهل الإسلام وحدهم، فإن الموالاة المحرمة شيء وحسن الخلق الواجب والمأمور به شيء آخر،، وأما إن قُصد بحسن الخلق ما هو أبعد من ذلك كاتخاذ الكفار بطانة من دون المؤمنين، وخاصة خلطاء يُفضي إليهم المرء بمكنون نفسه ويتابعهم ويقرهم على ما هم عليه ويعينهم على مذاهبهم الباطلة ويسكن إليهم في مشورته وتدبير أموره دون بقية المسلمين فهذا الذي حرمه الله ورسوله , علماً بأن الولاء يعني المحبة الدينية والنصرة على الدين وعلى هذا فلا يلزم من حسن الخلق والمعاملة الولاء , وينبغي التفريق بين البغض في الله وكراهة المنكر وبين أداء الحقوق والواجبات وحسن الخلق , وقد يُعامل المؤمن جميع الناس بالصفح والعفو اللائق بمقامه وشرفه كما قال تعالى (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ

<<  <   >  >>