للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هو -أي: الله- {رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} فالذين تدعونني أن أعبدهم هم مخلوقون لله، ومربوبون له، فهو رب كل شيء، ومعبود كل شيء، فهو المعبود وَحْدَهُ، فلا أعبد غيره، ولا أتَّخِذُ غَيْرَهُ رَبّاً.

ثم قال: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَاّ عَلَيْهَا} والمعنى: لا تَكْسِبُ كل نفس ذنباً إلا عليها. {كُلُّ نَفْسٍ} يعني لا تكسب ذنباً إلا على نفسها، وأنا إن عبدتم أنتم الأصنام فضَرَرُ ذَلِكَ عليكم، وإنما يضرّنِي لو كنت وافقتكم؛ ولذا قال: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} العرب تقول: وَزَرَ الذنب: إذا تحمّلَهُ، أي: ولا تحمل نفس وازرة، أي: مُذْنِبَة متحمّلة للآثام، لا تحمل وِزْرَ ذَنْبِ نفس أخرى، بل كل نفس عليها ذنبها، وهذا كالتأكيد لقوله: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} وهذا بَيِّن، ولو كانت أقرب الأنفس إلى النفس لا تحمل عنها من وِزْرِهَا شيئاً، كما يأتي في قوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر: آية ١٨] وكان بعض العلماء يقول: سبب نزول هذه الآيات: أنهم لما دعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يعبد معهم آلهتهم مرة ويعبدون معه إلهه مرات، وقنّطهم من ذلك، وأمره الله أن يقول: {قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} قالوا له: أنت وأصحابك اتبعوا سبيلنا واعبدوا معبوداتنا ونحن نتحمل عنكم جميع الآثام، ونضمن لكم خير الدنيا والآخرة، فكل ما يهمّكم في ذِممنا وعلينا، كما قال: إنهم قالوا: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: الآيتان ١٢، ١٣] أي: أثقال ضلالهم، وأثقال إضلالهم؛ ولذا قال هنا: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} فكسبنا وآثامنا لا تكون عليكم، ولا يمكن أن تتحملوها لو أطعناكم

<<  <  ج: ص:  >  >>