للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحر بن قيس من خيار المسلمين ومن القُراء، وكان له مكانة عند عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)؛ لأن عمر (رضي الله عنه) كان جلساؤه القراء صغارًا كانوا أو كبارًا، فقال عيينة لابن أخيه الحر بن قيس: لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لنا عليه. فاستأذن له عليه، فلما دخل عيينة على عمر (رضي الله عنه) -وكان عيينة بدويًّا جافيًا- فقال: إِيهٍ يا ابن الخطاب!! ما تعطينا الجزل، ولا تقسم بيننا بالعدل!! فغضب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حتى همّ به، فقال له الحرّ بن قيس: يا أمير المؤمنين إن الله يقول لنبيه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} وإن هذا من الجاهلين. فما جاوزها عمر، وكان عمر (رضي الله عنه) وقّافًا عند كتاب الله (١).

قال بعض العلماء (٢): (العفو) هو ما تسهّل لك من أخلاق الناس، خذ ما وجدته سهلاً من أخلاق الناس، ما وجدت منهم من طيب خذه، وما جاءك منهم من غير ذلك تجاوز عنه واصفح عنه.

والعفو في لغة العرب يطلق على ضد الجهد، فكل شيء متيسر لا مجهود فيه تسمية العرب عفوًا (٣). وقد قدمنا إيضاحه في تفسير قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: آية ٢١٩] أي: الشيء الزائد الذي لا يُجهد الزائد على قدر الخَلَّة الضرورية على أصح التفسيرين. وهو معنى معروف في كلام العرب، تقول لك: «خذ العفو مني» خذ ما تسهّل لك مني، وما تعصَّى عليك لا تكلِّمني


(١) البخاري في التفسير، باب (خذ العفو ... ) حديث رقم (٤٦٤٢)، (٨/ ٣٠٤).
(٢) انظر: ابن جرير (١٣/ ٣٢٦).
(٣) انظر: المفردات (مادة: عفا) (٥٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>