للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابن الكرام فاقض حاجتي) وأنت تعلم أنه ابن الكرام، إلا أنك تهيجه بهذا الكلام وتستثيره وتحمله على الامتثال، والاستثارة بأداة الشرط في هذا المعنى أسلوب عربي معروف، العرب تقول: (إن لم أفعل كذا فلست ابن فلان)، و (إن كنت ابن فلان فافعل كذا) تهيجه على الفعل وتحضه عليه. فعلى هذا فالمراد بقوله: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} تهييجهم وتحريضهم إلى امتثال أمر الله جل وعلا.

الثاني: في بعض الأشياء التي لا يُحتمل فيها هذا كقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: الآية ٢٧] وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث زيارة القبور: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» (١). فإنهم لاحقون قطعًا، وداخلون المسجد قطعًا، قال بعض العلماء: جيء بـ (إنْ) في مثل هذا ليُعلِّم الناس أنهم لا يتحدثون عن المستقبل إلا معلقين بمشيئة الله، كما قال تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشيء إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَاّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: الآية ٢٤] فلما كانت المشيئة يُعلق بها في الشيء الواقع لا محالة فما بالك بغيره؟! هكذا قالوا، وهذا معنى قوله: {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [الأنفال: الآية ١].

ثم بيّنَ صِفَات المؤمنين الذين هم مؤمنون حقًّا بمعنى الكلمة قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} [الأنفال: الآية ٢] (إنما) أداة حصر كما بينَّا؛ أي: إنما المؤمنون الكامِلُون في إيمانهم كمالاً كما ينبغي {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ} أي: إذا سَمِعُوا ذِكْرَ الله {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الوجل في لغة العرب معناه: الخوف؛ أي: خافت قلوبهم عند ذكر الله


(١) مضى عند تفسير الآية (١١٨) من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>