الكريمة -أعني غزوة بدر- والحاصل أنهما قصتان كان إحداهما شُبّهت بالأخرى، كما أن الله وكل قسم الغنائم إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وبعضهم لا يرغب في هذا؛ لأنه يرى أنه أحق من غيره، كذلك أخرج رسوله إلى أخذ مال من عِير فجاءها نفير، فصار بعض الصحابة يكره ملاقاة النفير ويقول: ما خرجنا مستعدِّين لقتال الرجال الذين هم في عَددهم وعُددهم، إنما خرجنا لأخذ عِير لا قتال دونها ولا سلاح، فهم كرهوا ملاقاة النفير -جيش قريش- مع أن ملاقاته فيها لهم المصلحة، فالذي كرهوه من قَسْم غنائم بدر هو الذي لهم فيه مصلحة الدنيا والآخرة، والذي كرهوه من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم الذي آل إلى قتال جيش قريش كرهوه وهو أيضًا خير لهم في دينهم ودنياهم، فالله (تبارك وتعالى) كأنه أشار بالتشبيه على هذا القول إلى أنه أعلم بمصالحهم من خلقه، وأن خلقه يكرهون شيئًا والمصلحة لهم فيما يختاره لهم ربهم كما قال جل وعلا:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شيئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}[البقرة: آية ٢١٦] هذا أقرب الأقوال، وكثير من الأقوال ساقط سقوطًا بيّنًا، وهذا أقربها، واختاره غير واحد.
وقال بعض العلماء:{أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} كما أن إخراج ربك إياك حق لا شك فيه.
وقال بعض العلماء: هي التي تدل على المجازاة والتعليل، كما تقول لِعَبْدِكَ:(كما أحسنتُ إليك فأطعني). وتقول لمن ترسله إلى مهمة:(كما قطعت عِللك ووفرت لك جميع الأسباب فافعل ما ينبغي). وأنه على هذا كأنه يقول: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، وغشاكم النعاس، وثبتكم بالملائكة، وأنزل عليكم ماء