السماء ليطهركم به، وليربط على قلوبكم {فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}[الأنفال: الآية ١٢] ولا يخلو هذا من بُعد، وأقربها هو ما ذكرنا من أنهما مسألتان كلاهما أراد الصحابة فيها غير الأصلح، وكره بعضهم ما هو الأصلح لهم فيها، فبيّن الله لهم أنهم في المسألتين كرهوا ما هو الأصلح لهم، وأن الله (جل وعلا) فعل بهم ما هو الأصلح {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شيئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}[البقرة: الآية ٢١٦].
قوله:{أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ} التحقيق أن المراد به خروجه من بيته في المدينة إلى عِير أبي سفيان، وقد تَمَخَّضَ هذا الخروج عن قتال جيش قريش في بدر الكبرى. هذا هو التحقيق، خلافًا لقوم زعموا أن معنى:{أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} أي: مِنْ مَسْقَطِ رأسك مكة أخرجك ربك بسبب معاداة قومك لك {بِالْحَقِّ} وهذا خلاف التحقيق، والأول هو الصحيح (١).
{وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} لكارهون للخروج لما علموا أن القتال قتال النفير، وأن الأمر ليس أمر العير، وذلك كما سيأتي شرحه وإيضاحه أن عير أبي سفيان وفيها أموال قريش، فيها أموال كثيرة، وقد ذهبت إلى الشام في رحلة الصيف، كما في قوله:{رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ}[قريش: الآية ٢] وقد سمع بها صلى الله عليه وسلم أنها ذهبت إلى الشام، فتلقّاها وهي واردة إلى الشام حتى بلغ العُشيرة -وهي غزوة العُشيرة- ففاته أبو سفيان ولم يدركه، ثم كان يترقب قفول العير ليعترض لها فيستعين بما فيها من الأموال، فلما حان قُفول