والحكمة في أن الله (جل وعلا) أجَّلهم هذه الأشهر الأربعة ليروا رأيهم، ويتأملوا في شأنهم لعل الله أن يهديهم إلى صوابهم. وهذا معنى قوله:{فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ}؛ أي: اذهبوا في جوانب أرض الله مقبلين ومدبرين آمنين، لا خوف عليكم في مدة هذه الأشهر الأربعة.
ثم قال:{وَاعْلَمُواْ} أي: أيقنوا علماً يقيناً لا يتطرق إليه الشك {أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ}{مُعْجِزِي} أصله: معجزين بالنون، فحذفت النون للإضافة. والمعجزون جمع المعجز، وهو اسم فاعل (أعْجَزه) العرب تقول: «أعجزه يُعجزه» إذا صار غير قادر عليه. أنكم لا تفوتونه ولا تتعذرون عليه، بل أنتم في قبضته وتحت سلطانه وقهره، هو قادر عليكم واعلموا أيضاً {أَنَّ اللَّهَ} جل وعلا {مُخْزِي الْكَافِرِينَ}[التوبة: آية ٢] المخزي: اسم فاعل أخزى، ومعنى إخزائه للكافرين: أنه مذلهم ومهينهم، يذلهم في الدنيا بالقتل والأسر، ويهينهم بذلك وفي الآخرة بعذاب الله، كما سيأتي في قوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (١٤)} الآية [التوبة: آية ١٤] وهذا معنى قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ}[التوبة: آية ٢].
ثم قال تعالى:{وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ}{وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ} جملة معطوفة على جملة؛ لأن جملة:{وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ}[التوبة: آية ٣] معطوفة على قوله: {بَرَاءةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (١)} [التوبة: آية ١] ويجوز في قوله: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ} من