للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول الثاني في هذه الآية الكريمة: أن المراد بقوله: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} أنها أشهر الإمهال الأربعة التي قدمنا أن التحقيق أن أولها من يوم النحر من ذي الحجة عام تسع، وأنها تنقضي بالعشر من ربيع الثاني من ذلك العام، وإنما قيل لها «حُرُم» لأن الله حرّم فيها قتال المشركين، وقال لهم فيها: سيحوا في الأرض أربعة أشهر، أي: آمِنِينَ مُدْبِرِينَ ومقبلين، قتالكم والتَّعَرُّضُ لَكُمْ حَرَامٌ. وهذا أظهر القَوْلَيْنِ هنا؛ لأن اللام في قوله: {الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: آية ٥] الألف واللام فيها للعهد، والأشهر الحُرم المذكورة لم تكن معهودة هنا، والمعهود هنا هي الأربعة المذكورة في قوله: {فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: آية ٢] وعلى هذا فانسلاخها هو ما قدمنا بعد انتهاء العشر الأول من ربيع الثاني كما لا يخفى. وقد بيّنا أن قول الزهري (رحمه الله) أن ابتداء أشهر الإمهال من شوال (١) [أنه إن صح عنه فهو غلط منه. والصحيح قول الجمهور، وهو أن ابتداء تأجيل هذه الأشهر الأربعة من يوم النحر، وتَنْقَضِي في اليوم العاشر من ربيع الثاني].

وانسلاخ الأشهر: معناه انْقِضَاء مُدَّتِهَا. تقول العَرَبُ: انْسَلَخَ الشَّهْرُ، وانْسَلَخَ العَامُ: إذا مَضَى زَمَانُهُ، وسلخته: إذا كنت في آخر يوم من أيامه وقد مضى علي. وهذا معروف في كلام العرب (٢)، ومنه قول لبيد في مُعَلَّقَتِهِ (٣):


(١) في هذا الموضع انقطع التسجيل، وما بين المعقوفين [] زيادة يتم بها الكلام.
(٢) انظر ابن جرير (١٤/ ١٣٣ - ١٣٤)، القرطبي (٨/ ٧٢)، الدر المصون (٦/ ١١).
(٣) شرح قصائد المشهورات (١/ ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>