للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كالمسجد والبيت، فلا يكون ظرفاً، وإنما هو منصوبٌ بنزع الخافض، ويدل على أنه منصوبٌ بنزع الخافض: هو ما قَدَّمْنَا في سورة الأعراف في قوله: {وَلَا تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ} [الأعراف: آية ٨٦] فعدَّاهُ بِالْبَاءِ التي هي حَرْفُ الجر، ومعلومٌ عند علماء العربية أنَّ النَّصْبَ بنزع الخافض لا يكون على المشهور قِيَاساً مُطَّرِداً، يُحفظ ما سُمع منه ولا يقاس عليه، خِلافاً للأَخْفَشِ الصَّغِير وهو عَلِيّ بن سُلَيْمَان؛ لأنه يقول: إنَّ النزع بالخافض مطَّرِدٌ في كل ما أُمِنَ فيه اللَّبْس، وقد عقد مذهبه ابن مالكٍ في الكافية فقال (١):

وابنُ سُليمانَ اطرادَه رَأَى ... إِنْ لم يُخَفْ لَبْسٌ كـ (مَنْ زَيْداً نَأَى)

وعلى هذا فمعنى {وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}: اقعدوا لهم في كل طريق ترقبونهم وترصدونهم فيها حتى تأخذوهم في غرتهم، وعلى هذا فهو منصوبٌ بنزع الخافض. ونظيره من كلام العرب -في نصب الطريق، المرصد: هو الطريق، في نصبه وتقدير حرف الجر الذي هو منصوبٌ بنزعه- قول ساعدة بن جُؤَيَّة الهذلي في بيته المشهور الذي هو من شواهد سيبويه في كتابه (٢):

لَدْنٌ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِل مَتْنُهُ ... فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ

يعني: كما عسل -أي: جرى العَسَلَان- الثعلبُ في الطريق.

وقال بعضُ العلماء: اختار بعض المتأخرين أنَّه ظرف، وإن كان محصوراً (٣)، وبذلك أعرب قوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ


(١) شرح الكافية (٢/ ٦٣٣).
(٢) الكتاب (١/ ٣٦، ٢١٤).
(٣) انظر: البحر (٥/ ١٠)، الدر المصون (٦/ ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>