للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالشيب يصير نفسه نوراً يهتدي به صاحبه، ويسعى بين يديه يوم القيامة، والشيب وإن لم يكن من كسب العبد، لكنه إذا كان بسبب من نحو جهاد أو خوف من الله ينزل منزلة سعيه، فيُكره نتف الشيب من نحو: لحية، وشارب، وعنفقة، وحاجب، قال النووي: لو قيل يحرم لم يبعد (١).

ومن غيّر بالسواد لا يحصل على هذا النور إلاّ أن يتوب أو يعفو الله عنه (٢).

وهذا الشعر الأبيض يؤدي إلى نور الأعمال الصالحة، فيصير نوراً في قبر المسلم، ويسعى بين يديه في ظلمات حشره (٣)، ويحصل هذا الفضل بشعرة واحدة بيضاء، تكون ضياء ومخلصاً عن ظلمات الموقف، وشدائده (٤).

وهذا الفضل في هذه الأحاديث يرغِّب المسلم في ترك نتف الشيب، وأعظم من النتف التغيير بالسواد، فقد نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحذّر منه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أُتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((غيِّروا هذا بشيء واجتنبوا السواد)) (٥)، والثغامة نبت أبيض الزهر، والثمر، شُبِّه بياض الشيب به، وقيل: شجرة تبيضّ كأنها الثلجة، أو كأنها الملح (٦).


(١) انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير، للمناوي، ٦/ ١٥٦.
(٢) انظر: المرجع السابق، ٦/ ١٥٧.
(٣) انظر: مرقاة المفاتيح، للملا علي القاري، ٨/ ٢٣٥.
(٤) انظر: تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، للمباركفوري، ٥/ ٢٦١.
(٥) صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب استحباب خضاب الشيب بصفرة أو حمرة وتحريمه بالسواد، ٣/ ١٦٦٣، برقم ٤٢١٢.
(٦) المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، ٥/ ٤١٨.

<<  <   >  >>