وهذا هو نفسه ما فهمه عمر بن عبد العزيز حينما عهد إليه سليمان بن عبد الملك فقد اختاره خليفة من بعده وكتب بذلك كتابا ختمه بخاتمه، وأمر رجاء بن حياة بأن يجمع أهل بيته ليبايعوا لمن في الكتاب دون معرفة اسمه فبايعوا. وبعد أن مات سليمان جمع رجاء الناس في مسجد دابق وطلب منهم المبايعة على من سمي في هذا الكتاب المختوم فبايعوا، فلما بايعوا فض الكتاب وقرأه عليهم فاذا فيه:" هذا الكتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز. اني قد وليته الخلافة بعدي ومن بعده يزيد بن عبد الملك فاسمعوا له وأطيعوا واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم "، فلما قرئ الكتاب صعد عمر بن عبد العزيز المنبر وقال:" اني والله ما استؤمرت في هذا الأمر وأنت بالخيار "، وفي رواية أخرى " يا أيها الناس اني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين، وأني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم "(١).
فعمر بن عبد العزيز وهو من خيرة المسلمين علما وفقها ودينا يرى أن بيعة الخليفة لا تكون إلا باختياره من جانب أولي الرأي في الأمة، وبقبول من جانبه هو، كما يرى أن اختيار الخليفة السابق ليس ببيعة، وأن مبايعة الناس لمجهول ليست بيعة صحيحة، ولذلك كله رد الأمر للناس ليختاروه ان شاءوا راضين غير مكرهين وقد فعلوا.