ولقد كان للفقه أثره في تطور الاستخلاف إلى ولاية العهد، وفي تطور ولاية العهد من شكل إلى شكل آخر، فلعل بعض الفقهاء الذين باعوا الدنيا بالآخرة هم الذين أشاروا على معاوية بولاية العهد لولده يزيد وهم الذين زينوا له هذا الأمر وقربوا ما بين ولاية العهد والاستخلاف من بون شاسع، أو لعل معاوية هو الذي فكر في ولاية العهد فلما حقق ما أراد أخذ بعض الفقهاء تحت تأثير المجاملة أو الخوف يقيسون ولاية العهد بالاستخلاف وَيُحَمِّلُونَ الاستخلاف ما لا يحمله من المعاني ويرتبون عليه ما لا يترتب من النتائج ولما حاول بعض الحكام أن يعهدوا إلى الأطفال وجدوا من يفتيهم بجواز العهد إلى الأطفال، ولما حاول بعض الحكام أن يرجعوا إلى الأمة وجدوا من يفتيهم بأن عهد الحاكم يلزم الأمة وأن لا حاجة للرجوع إليها.
وهكذا تضافر الحكام المسلمون وبعض الفقهاء المسلمين - وَكِلاَ الفريقين أمين على مصالح الأمة - تضافروا جميعًا على خيانة الأمة الإسلامية، وسلبها حقوقها التي فرضها الإسلام، فالإسلام يعطي للأمة حق اختيار حكامها وعزلهم، ويجعلهم بمثابة النواب عنها، ولكن الحكام وبعض الفقهاء تآمروا على الأمة الإسلامية فسلبوها كل حقوقها، وجعلوا من أفرادها عبيدًا ومن الحكام سادة يأمرون فلا يرد لهم أمر ويتصرفون في حقوق الأمة ومستقبلها وأرواح أبنائها دون حسيب ولا رقيب.