ولما كانت الحياة قد تعقدت وكان للمسائل غير وجهها التشريعي وجوهًا أخرى فنية فقد وجب أن يكون أهل الشورى الملمين بالشريعة الإسلامية وبالعلوم والفنون والصناعات وغيرها مِمَّا يتعلق بمصالح الأمة، وليس ثمة ما يمنع أن يقوم اختيار أهل الشورى على التخصص بشرط أن لا يكون لغير الملمين بالشريعة رأي فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية، أو بشرط أن تكون هناك هيئة خاصة لترد كل ما يخرج على حدود الشريعة أو روحها إلى موضعه الصحيح داخل نطاق الشريعة، ويستوي أن تكون هذه الهيئة لجنة خاصة من أهل الشورى أنفسهم أو هيئة أخرى قضائية كمحكمة مثلاً، وكل ذلك متروك لأولي الأمر وأولي الرأي في الأمة ينظمونه على حسب الظروف والأحوال وبالطريقة التي تحفظ مصالح الأمة.
ولم تحدد الشريعة الإسلامية عدد أهل الشورى ولا طريقة اختيارهم، وإنما يرجع ذلك إلى ظروف الزمان والمكان، وقديمًا كان أهل الشورى هم المقيمين بالمدينة من المهاجرين والأنصار وأشراف الناس، ثم أضيف إليهم الحكام ورؤساء الجيوش في مختلف البلاد الإسلامية، ثم تطور الأمر فأصبح أهل الشورى هم أصحاب الرسول وذوي النفوذ والمكانة في كل قطر وأمراء السرايا والجيوش والحكام الإداريين في كل البلاد الإسلامية.
ويلاحظ أن السوابق الإسلامية جرت على اعتبار الحكام ورؤساء الأجناد بصفة عامة من أهل الشورى، ولكن السوابق