ولقد قررت الشريعة حرية القول من يوم نزولها، وقيدت في الوقت نفسه هذه الحرية بالقيود التي تمنع من العدوان وإساءة الاستعمال، وكان أول من قيدت حريته في القول محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو رسول الله الذي جاء مبشرًا بالحرية وداعيًا لها، ليكون قوله وعمله مثلاً يحتذى، وليعلم الناس أن لا يمكن أن يعفى أحد من هذه القيود إذا كان رسول الله أولى من قيد بها على ما وصفه به ربه من قوله:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: ٤].
لقد أمر الله رسوله أن يبلغ رسالته للناس، وأن يدعوهم جميعًا إلى الإيمان بالله وأن يحاج الكفار والمكذبين، ويخاطب عقولهم وقلوبهم، ولكن الله - جَلَّ شَأْنُهُ - لم يترك لرسوله حرية القول على إطلاقها، فرسم له طريق الدعوة، وبين له منهاج القول والحجاج، وأوجب عليه أن يعتمد في دعوته على الحكمة والموعظة الحسنة:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل: ١٢٥]، وأمره أن يعرض عن الجاهلين {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف: ١٩٩]، وأن لا يجهر بالسوء من القول {لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ}[النساء: ١٤٨]، وأن لا يسب الذين يدعون من دون الله {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الأنعام: ١٠٨].