وليس أدل على صحة ما نقول من أن القرآن فَرَّقَ بين الإنفاق والزكاة في نص واحد واعتبر كليهما من الأعمال التي يقتضيها الإيمان ويقوم من أجلها الإسلام، وذلك قوله تعالى {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ}[البقرة: ١٧٧]. فجاء النص صريحًا في وجوب الإنفاق وفي وجوب الزكاة. والفصل بين الإنفاق والزكاة بالصلاة دليل على الاختلاف بين الإنفاق والزكاة، والنص على كل من الإنفاق والزكاة على حدة في آية واحدة قاطع بأن كليهما يختلف عن الآخر وأنهما فريضتان مختلفتان، ومن ادعى أن الزكاة نسخت الإنفاق كفريضة فإنه يدعي ما لا حجة له عليه، فالزكاة فرضت في مكة والآية التي سبق ذكرها مدنية، فكيف تنسخ الفريضة السابقة اللاحقة؟ بل كيف ينسخ بعض النص الواحد بعضه الآخر؟
ولقد جاءت السُنَّةُ بنفس ما جاء به القرآن من المخالفة بين الإنفاق والزكاة وجعلها فريضتين مختلفتين، فيروى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ تَمِيمٍ أَتَى رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي ذُو مَالٍ كَثِيرٍ، وَذُو أَهْلٍ وَمَالٍ، وَحَاضِرَةٍ، فَأَخْبِرْنِي كَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ