إن تاريخ جهاد «الرجل القرآني» طويل .. ولكن أخصب سنواته أيام الحرب .. منذ أن خرج من المعتقل عام ١٩٣٦، في هذا الوقت الذي شغلت الحرب الدنيا جميعها، عن الأحزاب، وعن السياسة، وعن كل شيء، كان الرجل لا ينام، كان يسعى ويطوف ويذهب إلى كل قرية وكل نجع وكل دسكرة يفتش عن الشباب، ويحدث الشيوخ ويتصل بالعظماء والعلماء، ويومها بهر الوزراء، وأعلن بعضهم الانضمام إلى لوائه الخفاق، وجيشه الجرار.
وحاول الانجليز أن يقدموا عروضًا سخية .. فرفضها الرجل في إباء .. ونامت الأحزاب في انتظار الهدنة، وظل الرجل الحديدي الأعصاب يعمل أكثر من عشرين ساعة لا يتعب ولا يجهد، كأنما صيغت أعصابه من فولاذ.
لقد كان يحب فكرته حُبًّا يفوق الوصف، ولم يكن في صدره شيء يزحم هذه الدعوة. كان يعشق فكرته كأنما هي حسناء! لا يجهده السهر، ولا يتعبه السفر وقد أوتي ذلك العقل العجيب، الذي يصرف الأمور في يسر، ويقضي في المشاكل بسرعة ويفضها في بساطة، ويذهب عنها التعقيد.