للناس، ويحب الناس ويحبونه، ويألف المكان ويثبت على العهد والوفاء لصاحبه، وإن أساء إليه، ويعود إليه من مسافات بعيدة، وربما صد فترك وطنه عشر حجج، وهو ثابت على الوفاء، حتى إذا وجد فرصة واستطاعة عاد إليه.
والحمام إذا أراد السفاد يلطف للأنثى غاية اللطف، وإذا علم الذكر أنه أودع رحم الأنثى ما يكون منه الولد يقوم هو والأنثى بطلب القصب والحشيش وصغار العيدان، فيعملان منه أفحوصة، وينسجانها نسجاً متداخلاً في الوضع الذي يكون بقدر حيمان الحمامة، ويجعلان حروفها شاخصة مرتفعة، لئلا يتدحرج عنها البيض، ويكون حصناً للحاضن، ثم يتعاودان ذلك المكان، ويتعاقبان الأفحوص يسخنانه، ويطيبانه وينفيان طباعه الأول، ويحدثان فيه طبعاً آخر مشتقاً ومستخرجاً من طباع أبدانهما ورائحتهما، لكي تقع البيضة إذا وقعت في مكان هو أشبه المواضع بأرحام الحمام، ويكون على مقدار من الحر والبرد والرخاوة والصلابة.
ثم إذا ضربها المخاض بادرت إلى ذلك المكان، ووضعت فيه البيض، فإن أفزعها رعد قاصف رمت بالبيضة دون ذلك المكان الذي هيأته كالمرأة التي تُسقط من الفزع.
فإذا وضعت البيض في ذلك المكان لم يزالا يتعاقبان الحضن، حتى إذا بلغ الحضن مداه وانتهت أيامه انصدع عن الفراخ، فأعاناه على خروجه، فيبدآن أولاً بفتح الريح في حلقه حتى تتسع حوصلته، علماً بأن الحوصلة تضيق عن الغذاء، فتتسع الحوصلة بعد التحامها، وتنفتق بعد ارتتاقها.
ثم يعلمان أن الحوصلة وإن كانت قد اتسعت شيئاً فإنها في أول الأمر لا تحتمل الغذاء، فيزقانه بلعابهما المختلط بالغذاء، وفيه قوى الطعم.
ثم يعلمان أن طبع الحوصلة تضعف عن استمرار الغذاء، وأنها تحتاج إلى دفع وتقوية، لتكون لها بعض المتانة، فيلقطان من الغيطان الحب اللين الرخو، ويزقانه الفرخ، ثم يزقانه بعد ذلك الحب الذي هو أقوى وأشد.
ولا يزالان يزقانه بالحب والماء على تدريج بحسب قوة الفرخ، وهو يطلب