ذلك منهما، حتى إذا علما أنه قد أطاق اللقط منعاه بعض المنع، ليحتاج إلى اللقط ويعتاده، وإذا علما أن رئته قد قويت ونمت، وأنهما إن فطماه فطماً تاماً قوي على اللقط وتبلغ لنفسه ضرباه إذا سألهما الزق، ومنعاه.
ثم تنزع تلك الرحمة العجيبة منهما، وينسيان ذلك التعطف المتمكن حين يعلمان أنه قد أطاق القيام بالتكسب بنفسه، ثم يبتدآن ابتداء ذلك النظام.
ومن عجيب هداها أنها إذا حملت الرسائل سلكت الطرق البعيدة عن القرى ومواضع الناس؛ لئلا يعرض لها من يصدها، ولا يرد مياههم، بل يرد المياه التي لا يردها الناس.
ومن هداية الحمام أن الذكر والأنثى يتقاسمان أمر الفراخ، فتكون الحضانة والتربية والكفالة على الأنثى، وجلب القوت والزق على الذكر، فإنّ الأب هو صاحب العيال والكاسب لهم، والأم هي التي تحبل وتلد وترضع.
ومن عجيب أمرها ما ذكره الجاحظ: أن رجلاً كان له زوج حمام مقصوص، وزوج طيار، وللطيار فرخان، قال: ففتحت لهما في أعلى الغرفة كوة للدخول والخروج وزق فراخهما، قال: فحبسني السلطان فجأة، فاهتممت بشأن المقصوص غاية الاهتمام، ولم أشك في موتهما؛ لأنها لا يقدران على الخروج من الكوة، وليس عندهما ما يأكلان ويشربان.
قال: فلما خلي سبيلي، لم يكن لي هم غيرهما، ففتحت البيت فوجدت الفراخ قد كبرت، ووجدت المقصوص على أحسن حال، فعجبت، فلم ألبث أن جاء الزوج الطيار، فدن الزوج المقصوص إلى أفواههما يستطعمانهما كما يستطعم الفرخ فزقاهما.
فانظر إلى هذه الهداية، فإن المقصوصين لما شاهدا تلطف الفراخ، للأبوين وكيف يستطعمانهما إذا اشتد بهما الجوع والعطش، فعلا كفعل الفرخين، فأدركتهما رحمة الطيارين، فزقاهما كما يزقان فرخيهما.
ومن هدايتها أيضاً أنه إذا رأى الناس في الهواء عرف أي صنف يريده، وأي نوع من الأنواع ضده، فيخالف فعله ليسلم منه، ومن هدايته أنه في