الثاني – فإن كان كذلك فقد انقطع السبيل عليه في الاحتجاج بهذه الآية على جواز البدع الحسنة؛ لأنه قد انقطع وحي التشريع بموت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الشرع لم يعد بحاجة إلى زيادة؛ لأن الله أتمه وأكمله، ولم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً مما يقربنا من الجنة إلا وقد أمرنا به، ولم يدع أمراً يقربنا من النار إلا وقد نهانا عنه صلى الله عليه وسلم.
الثالث – أن هذا ليس من شرعنا وقد وردت عدة أحاديث من طريق ضعيفة تدل على أنه لا رهبانية في الإسلام، وأن رهبانيتنا في الجهاد، ويشهد لهذا المعنى إنكار النبي على عثمان بن مظعون الاختصاء، وعلى الثلاثة الذين تقالوا عبادته صلى الله عليه وسلم.
ثم أردف معترضا على الوجه الثالث فقال:
(نقل ابن العربي أن معنى الرهبانية في الآية يدل على ثلاثة معان:
١ - رفض النساء.
٢ - اتخاذ الصوامع للعزلة.
٣ - سياحتهم في الأرض.
والمنسوخ في ديننا هو المعنى الأول، أما الثاني والثالث فمستحب عند فساد الزمان لما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن" وهذا الحديث يفيد الإقرار بالعمل بهذه الآية في المعنيين الأخيرين، ويكون منزلته هنا من القرآن البيان والتوضيح:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤] وانعقد الإجماع على أننا مكلفون بما علمنا من شريعتنا أنه كان شرعاً لمن قبلنا، وأمرنا في شريعتنا بمثله).
والجواب عن اعتراضه من وجوه:
الأول – أن هذا عند فساد الزمان في آخره ولم يأت ذلك بعد، فالاستدلال به في غير زمنه استدلال به في غير محله، فلا حجة له في تعميم القول به.
الثاني – قوله:(وانعقد الإجماع على أننا مكلفون بما علمنا من شريعتنا أنه كان شرعاً لمن قبلنا، وأمرنا في شريعتنا بمثله) فهو مترتب على الوجه السابق فإن بطل كونه شرعا عاما في شرعنا فلا يكون من شرعنا بإطلاق، فبقي أنه من شرع من قبلنا، وقد نهينا عنه في شرعنا فظهر أنه ليس من شرعنا.