(٢) هذا طرف من حديث جابر بنحوه في خطبة الحاجة الذي ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر به. وقد رواه عن جعفر بهذا الإسناد كل من عبد الوهاب بن عبد الحميد وسليمان بن بلال ويحيى بن سليم ومصعب بن سلامة ووهيب ويحيى بن سعيد وأبو موسى إسحاق بن موسى دون ذكر زيادة: (وكل ضلالة في النار). ورواه عنه سفيان، وهو الثوري - كما جاء مصرحا به في رواية ابن بطة في الإبانة - بذكر الزيادة، ولكنه اختلف عليه فيها فرواها عن سفيان ابن المبارك ووكيع. فأما ابن المبارك فزاد (وكل ضلالة في النار) عند النسائي، ابن خزيمة، والبيهقي، وابن بطة في الإبانة، وغيرهم. وأما وكيع فاختلفت الرواية عنه فروى عنه عن سفيان أبو بكر ابن أبي شيبة، وعثمان وسالم بن جنادة: فأما أبي بكر بن أبي شيبة فاختلف عليه فيها فرواه عنه مسلم في صحيحه بدون ذكر الزيادة، ورواها عنه أبو نعيم في المستخرج من طريق الفريابي، وعبيد بن غنام عنه بذكر الزيادة. وأما عثمان وسالم بن جنادة فرواها عنه بذكر الزيادة عند أبي نعيم في المستخرج. والخلاصة أن سفيان ذكر هذه الزيادة مع ثبوت الخلاف عنه فيها فرواها عنه ابن المبارك بلا اختلاف، ورواها عنه وكيع مع الاختلاف فمرة يذكرها، وأخرى لا. وسفيان لم ينفرد بذكر هذه الزيادة فقد تابعه محمد بن منصور الزعفراني عن جعفر به بذكر الزيادة عند ابن بطة في الإبانة (٢/ ٨٥) حديث رقم (١٤٩١) ومحمد بن منصور هذا قال عنه ابن بطة: وكان ثقة. وعليه فلا وجه لرد هذه الزيادة وإعلالها بالشذوذ، لعدم انفراد سفيان بها، فقد تابعه الزعفراني عند ابن بطة كما سبق بيانه، ويؤيد ثبوت هذه الزيادة وخطأ الحكم عليها بالشذوذ أمران: الأول: أم هذه الزيادة بيانية غير مخالفة كما سيأتي قريباً بمشيئة الله كلام الشاطبي بحصر البدع في المحرم، والمكروه كراهة تحريمية، وهو مما يستوجب النار فلا يكون على هذا المعنى خروج البدع المكروهة تنزيهاً من البدع مخالفة بل تكون زيادة بيانية مقبولة. الثاني: أن هذه الزيادة قد وردت من وجوه أخرى، وإن كانت بعضها لا يخلو من مقال إلا أنها بمجموعها تصلح للاحتجاج، وتدل على حفظ سفيان لهذه الزيادة، وهي: ١ - ما رواه ابن عساكر في تاريخه: أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان أنا أبو الفرج الحسين بن علي بن عبيد الله الطناجيري سنة سبع وثلاثين وأربعمئة أنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين نا عبيد الله بن عثمان العثماني نا عبد الأعلى بن حماد النرسينا عثمان بن عمرنا عكرمة نا عوف نا عبد الرحمن قال دخلت مسجد دمشق فإذا رجل من أصحاب النبي يحدثهم قال: قال رسول الله: " إياكم والبدع فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة تصير إلى النار ". وهذا إسناد حسن فليس من رواته متهم إلا أنني لم أميز عكرمة، وأظنه عكرمة بن عمار العجلي. وقال عنه ابن حجر: صدوق يهم. ٢ - ما رواه الطبراني من طريق عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب القرظي عن بن عباس وعن القاسم بن محمد عن عائشة قالا ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا أصوات كدوي النحل قراءة القرآن فقال: "إن الإسلام يشيع ثم تكون له فترة فمن كانت فترته إلى غلو وبدعة فأولئك أهل النار " وهذا إسناد ضعيف فيه عيسى بن ميمون قال عنه في التقريب: ضعيف، والحديث ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع. ... ٣ - ما رواه أبو حاتم الخزاعي في جزئه، والدارقطني في الأفراد والقزويني في أخبار قزوين عن أبي أمامة - رضي الله عنه - مرفوعاً: " أصحاب البدع كلاب النار".والحديث ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع. ٤ - وردت هذه الزيادة من قول عمر - رضي الله عنه - عند ابن وضاح بسند حسن. ... ٥ - ووردت أيضاً من قول ابن مسعود بإسنادين فيهما مقال، الأول: عند الطبراني بسنده عن عبد الله قال: "إنما هما اثنتان الهدي والكلام وأصدق الحديث كلام الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"، وفيه إبراهيم الهجري، قال عنه الذهبي في الكاشف: ضعيف، وقال عنه ابن حجر في التقريب: لين الحديث. ورواه المروزي في السنة من طريق عبد الله بن مرداس عن ابن مسعود قال: " كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"، وفيه عنعنة الأعمش، وهو مدلس، وأيضاً عبد الله بن مرداس مجهول الحال، وقد ذكره ابن حبان في الثقات.