بالتأمل لتفسير الشاطبي في التعريف على كلا الطريقتين لقيدي:(طريقة، تضاعي الشريعة) مع قوله: [ويتبين ذلك بمثال وضع المكوس في معاملات الناس، فلا يخلو هذا الوضع المحرم أن يكون على قصد حجر التصرفات وقتاً ما، أو في حالة ما، لنيل حطام الدنيا، على هيئة غصب الغاصب، وسرقة السارق، وقطع القاطع للطريق، وما أشبه ذلك، أو يكون على قصد وضعه على الناس كالدين الموضوع والأمر المحتوم عليهم دائماً، أو في أوقات محدودة، على كيفيات مضروبة، بحيث تضاهي المشروع الدائم الذي يحمل عليه العامة، ويؤخذون به وتوجه على الممتنع منه العقوبة، كما في أخذ زكاة المواشي والحرث وما أشبه ذلك.
فأما الثاني: فظاهر أنه بدعة، إذ هو تشريع زائد، وإلزام للمكلفين يضاهي إلزامهم الزكاة المفروضة، والديات المضروبة، بل صار في حقهم كالعبادات المفروضة، واللوازم المحتومة أو ما أشبه ذلك، فمن هذه الجهة يصير بدعة بلا شك، لأنه شرع مستدرك، وسَنٌّ في التكليف مهيع، فتصير المكوس على هذا الفرض لها نظران: نظر من جهة كونها محرمة على الفاعل أن يفعلها كسائر أنواع الظلم، ونظر من جهة كونها اختراعاً لتشريع يؤخذ به الناس إلى الموت كما يؤخذون بسائر التكاليف، فاجتمع فيها نهيان: نَهْى عن المعصية، ونهى عن البدعة، وليس ذلك موجوداً في البدع في القسم الأول، وإنما يوجد به النهي من جهة كونه تشريعاً موضوعاً على الناس أمر وجوب أو ندب، إذ ليس فيه جهة أخرى يكون بها معصية؛ بل نفس التشريع هو نفس الممنوع ... ] اهـ (١) تلحظ أن من معاني المضاهاة عنده أن يُجعل الأمر المحدث طريقة يسير عليها الناس، ملزمين بها كالدين. وهذا أمر زائد على الابتداع. فقد جعل الشاطبي الفرق بين المعصية والبدعة هو الإلزام بالمعصية كالدين الموضوع والأمر المحتوم، والمدقق في ذلك يجد أن الفرق بين الحالتين إنما هو بالإصرار على العمل، والإصرار على المعصية لا يحولها إلى بدعة، فبطل بذلك جعل الإلزام بدعة ما لم يقيد بقصد القربة.
قال الشيخ سليمان الماجد في "ضابط البدعة وما تدخله": (القاعدة الثالثة: مضاهاة المكلف للتعبدات المحضة.