وقال أيضا: شبه والرد عليها: إذا كان الأصل في العقود والشروط والمعاملات العفو حتى يحرمها الله تعالى، فكيف تدخلها البدع؟
والجواب، أولاً: ثبت في الأصول الشرعية أنه لابد في كل عادى من شائبة التعبد لكونه مقيداً بأوامر الشرع إلزاماً أو تخييراً أو إباحة.
ثانياً: البدع لا تدخل في الأمور العادية إلا من الوجه العبادي فيها، فإذا ألحق المكلف حكماً شرعياً بعمل عادى وقصد به القربة وهو في حقيقته ليس كذلك فقد ابتدع.
قال ابن رجب رحمه الله: (فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله فعمله باطل مردود ... كمن تقرب إلى الله بسماع الملاهي أو بالرقص أو بكشف الرأس في غير الإحرام ... ).
وكما يقول الشاطبي رحمه الله تعالى: والأمور المشروعة تارة تكون عبادية وتارة عادية فكلاهما مشروع من قبل الشارع فكما تقع المخالفة بالابتداع في أحدهما تقع في الآخر.
وقال النووي في شرح مسلم لحديث (وفى بضع أحدكم صدقة)، " في هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقة ".
ويقول الغزالي في الإحياء (٤/ ٣٧١): وما من شيء من المباحات إلا ويحتمل نية أو نيات يصير بها من محاسن القربات.
ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى (١/ ٣١١): الأصل الثاني: أن نعبده بما شرع على ألسنة رسله، ولا نعبده إلا بواجب أو مستحب، والمباح إذا قصد به الطاعة دخل في ذلك.
وقال في الاستقامة (٢/ ١٥٢): لذات الدنيا ونعيمها إنما هي متاع ووسيلة إلى لذات الآخرة وكذلك خلقت، فكل لذة أعانت على لذات الآخرة فهو مما أمر الله به ورسوله، ويثاب على ما يقصد به وجهه ... ).
ويمكن توضيح هذه المعاني بالأمثلة:
- وضع المكوس على الناس حتى تصبح أمراً محتوماً دائماً أو في أوقات محدودة على كيفيات مضروبة بحيث تضاهى المشروع كالزكاة.
- نكاح المحلل الذي يحتال به لإجازة ما هو حرام شرعاً إذا اعتقد فاعلوه جواز ذلك، وحله في الشريعة، أما إذا لم يعتقدوا ذلك فيكون حراماً ومعصية لا بدعة.