للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حمده قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فلما انصرف، قال: «من المتكلم» قال: أنا، قال: «رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول».

- وما رواه أحمد وغيره من حديث بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: «بم سبقتني إلى الجنة؟ ‍» قال: ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بهذا».

وتتبع هذا يطول.

قال الغماري في "إتقان الصنعة" (ص/٢٤): "وهذا يدل على جواز إحداث أمر في العبادة أو غيرها إذا كان موافقا لأدلة الشرع".

الجواب من وجوه:

الأول – أن ما نقل عن الصحابة من أفعال لا يعدو حالتين، إما أن يكون في حياة النبي، أو بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وحجية أفعالهم إنما هي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وقد سبق التدليل على ذلك وبيان ضوابطه، وأما في حياته فلا تعدو أقوالهم وأفعالهم أن تكون اجتهادات منهم قد يقرها النبي صلى الله عليه وسلم أو لا.

قال عيسى الحميري في "البدعة الحسنة" (ص/٨٨): (القول بحجية فتوى الصحابي هو القول الراجح في العمل عند جمهور علماء المسلمين من المجتهدين ومن تبعهم بشرط أن لا يصطدم بنص من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلموا به).

فإن قالوا: ولم كانوا يبتدرون الفعل أحيانا قبل أن يقفوا على إقرار النبي وقبل سؤاله صلى الله عليه وسلم.

قلنا: إن كان المجتهد له أن يعمل باجتهاده إلى أن يتبين له أن خطأ فيرجع عنه وينقضه، فالصحابة أولى بالجواز منهم.

أضف إلى ما سبق ذكره من أن الصحابة لا يصح أن تنسب البدعة لأفعالهم ولا أقوالهم.

الثاني – لا يصح قياس أفعال وأقوال الصحابة على أقوال وأفعال غيرهم من الأمة؛ لإمكان الرفع فيها دون غيرها لمعايشتهم الوحي والتنزيل ونيلهم شرف الصحبة دون باقي الأمة، فوقف الأمر عندهم ولم يصح تعديته إلى غيرهم.

الثالث – الحجة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم فليس لأحد أن يعارض قول وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعادت جميع الوجوه إلى الوحي، وخرج من جاء بعد انقطاعه عن دائرة الاستدلال.

<<  <   >  >>