وقد سبق الإلماح إلى استدلال العلماء بهذا الأثر في باب الإجماع، وهنا جاء أن المراد من الأثر كما يدل سياقه، صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تنافي بين ذلك، ولا حجة فيه على تحسين أية بدعةٍ، بل على العكس من ذلك، فأما إجماع الأمة فإنه لا يمكن أن يكون على خلاف دليل صحيح صريح غير منسوخ كقوله صلى الله عليه وسلم:" وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ".
ولأجل ذلك تقرر عند علماء الإسلام، أن إجماع الأمة حق فلا تجتمع على ضلالة، فإذا كان الأمر كذلك، والنص بأن " كل بدعة ضلالة " أصبح الدليل الذي يستدل به المحسن للبدع ضده.
وأما على أن المراد إجماع الصحابة، فإن الأثر ينقلب على المستدل به على حسن البدع، ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على ذم كل البدع صغيرها وكبيرها، وحذروا منها، ونهوا عن مجالسة أصحابها، بل وحذروا من كل ذريعة تؤدي إلى البدعة، ولم يُنقل عن أحد منهم التوقف في شأن بدعة محدثة في دين الله، بل كان موقفهم كما تشهد بذلك سيرتهم: اعتقادُ أن كل المحدثات ضلال وانحراف عن سواء الصراط، فإذا كان هذا هو حالهم، فهو إجماع منهم على قبح سائر البدع، وحسن محاربتهم وأهلها، وهنا يأتي، مكان الاستدلال بقول ابن مسعود رضي الله عنه: ما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح ... ) وقد رأى جميع الصحابة أن الاعتصام بالسنة أمر حسن محمود، وأن ترك البدع والتحذير منها أمر لازم ممدوح، وأن إحداث شيء من البدع سيء وقبيح).
وهذا أخر ما وقفت عليه من أدلتهم لتحسين بعض البدع الشرعية، ولا حجة لهم في أيها، فثبت أن عموم الذم للبدع الشرعية محفوظ ولم يثبت تخصيصه كما زعموا، ولله الفضل والمنة، وسوف نتوقف في المبحث التالي بإذن الله على توجيهات أخرى لهم لأحاديث ذم البدع، فالله المستعان.