للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث، إحياء سنة ثابتة نُسيت أو تُركت، وليس فيه إحداث ما لم يثبت، فدل هذا على أن المراد التحذير من الابتداع، لأنه في مقابل الإتباع، ولأنه ملازم للضلال في كل الأحوال).

الثالث – وعلى الفرض جدلا صحة الحديث فإن ما زعمه من التخصيص بهذا الحديث بقوله: (والقاعدة الأصولية أنه إذا ورد عن الشارع لفظ عام ولفظ خاص قدم الخاص) لا يستقيم، وذلك لأمرين:

أ- أن المنطوق موافق لدلالة العام، وكما هو مقرر في علم الأصول أن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يقتضي التخصيص لاختلال أحد شرطي الاستثناء، وهو مخالفة المستثنى للمستثنى منه في الحكم.

ب - أن المفهوم غير معتبر؛ لأن المنطوق جاء موافقا للواقع.

قال العلامة الشنقيطي في "أضواء البيان" (٥/ ٣٦٤): (تقرر في فن الأصول أن من موانع اعتبار مفهوم المخالفة، كون تخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع فيرد النص ذاكرا لوصف الموافق للواقع ليطبق عليه الحكم، فتخصيصه بالذكر إذا ليس لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق، بل لتخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع.

ومن أمثلته في القرآن قوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: ١١٧]؛ لأن قوله: {لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} وصف مطابق للواقع؛ لأنهم يدعون معه غيره بلا برهان، فذكر الوصف لموافقته الواقع، لا لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق.

ومن أمثلته في القرآن أيضا قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ٢٨]؛ لأنه نزل في قوم والوا اليهود دون المؤمنين، فقوله من دون المؤمنين ذكر لموافقته للواقع لا لإخراج المفهوم، عن حكم المنطوق ومعلوم أن اتخاذ

المؤمنين الكافرين أولياء، ممنوع على كل حال، وإلى هذا أشار في مراقي السعود في ذكره موانع اعتبار مفهوم المخالفة بقوله:

أو امتنان أو وفاق الواقع ... والجهل والتأكيد عند السامع).

ومن أمثلته أيضا في القرآن (١) قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}


(١) انظر "أضواء البيان" (١/ ٢٦٤).

<<  <   >  >>