للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما سوء الفهم للقرآن فمنه ما رواه مسلم في "مقدمة صحيحه" عن سفيان الثوري، قال: سمعت رجلا سأل جابرا – وهو الجُعْفِي ضعيف رافضي - عن قوله عز وجل: {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين} [يوسف: ٨٠]، فقال جابر: «لم يجئ تأويل هذه»، قال سفيان: وكذب، فقلنا لسفيان: وما أراد بهذا؟ فقال: إن الرافضة تقول: إن عليا في السحاب، فلا نخرج مع من خرج من ولده حتى ينادي مناد من السماء يريد عليا أنه ينادي اخرجوا مع فلان، يقول جابر: «فذا تأويل هذه الآية، وكذب، كانت في إخوة يوسف صلى الله عليه وسلم»، ومثل ذلك فهم بعض الصوفية لقوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: ٦٥]، وأن المراد به العلم اللدني الذي يؤتاه الولي، فيكون بمثابة الوحي المعصوم وبنوا على ذلك أن الولي أفضل من النبي أو في منزلة مساوية له. ومثال ذلك استدلال الخارجي على أن أهل الكبائر في النار يوم القيامة بقوله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: ٨، ٩]، فقال: المراد في الآية أن من خفت موازينه فهو كافر، والمعلوم أن موازين أهل الكبائر قد خفت فيجب أن يكونوا كفرة.

ومثل ذلك استدلاله بقوله تعالى: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: ١٧]، فقال الخارجي: لا شك بأن صاحب الكبيرة مجازى، فيجب أن يكون من الكفرة، فهذا هو حال المبتدعة مع نصوص الكتاب الكريم، أخْذُ بعضها وترك بعضها مع الفهم السقيم للآيات التي يستدلون بها، مع أنه من المقرر عند أهل السنة والحمد لله (أن كل آية ٍ يستدل بها مبتدع فيها دليلٌ على فساد قوله).

أما السنة فإن المبتدعة على قلة اعتمادهم على الصحيح منها، وكثرة أخذهم بالواهي والضعيف، فإنهم كثيرا ما يفهمون الأحاديث الثابتة على غير وجهها، ويدفعون مقاصدها بالتحريفات والتأويلات الفاسدة.

أما عدم معرفتهم لكلام السلف فكما قال شيخ الإسلام في سياق كلامه عن تنازع المبتدعين في كلام الله سبحانه وتعالى: ( ... عامة هؤلاء المختلفين في الكتاب لم يعرفوا القول السديد قول السلف، بل ولا سمعوه ولا وجدوه في كتاب ٍ من الكتب التي يتداولونها؛ لأنهم لا يتداولون الآثار السلفية، ولا معاني الكتاب والسنة إلا بتحريف بعض المحرفين لها، ولهذا إنما يذكر أحدهم أقوالا مبتدعة: إما قولين أو ثلاثة، وإما أربعة وإما خمسة، والقول الذي كان عليه السلف ودل عليه الكتاب والسنة لا يذكره؛ لأنه لا يعرفه ... ).

<<  <   >  >>