وأطلقوا على أنفسهم أهل التحقيق والنظر والاستدلال والإيقان.
وظاهر ٌ أيضا في مسالك المتصوفة والمتنسكة إذ سموا ما ابتدعوه: حقيقة ويقينا وسموا أنفسهم أهل الحقيقة وغيرهم أهل الشريعة، وفي مسالك المتملكة والمتأمرة إذ سموا طريقتهم بالسياسة الحسنة البديعة، ولو كانت في مخالفة الشريعة، ولهذا فإنك تجد أصناف المبتدعة يبتعدون عن الشرع، ويعتمدون على قواعدهم وأصولهم الضالة تاركين كتاب الله وسنة رسوله خلفهم ظهريا، وإن اعتمدوا على شيء منها فإنما هو للاستئناس ولتعضيد ما أصلوه، مع أن كل دليل عقلي يحتج به المبتدع فيه دليلٌ على بطلان قوله.
٦ - التقليد واعتقاد العصمة في الأئمة المجتهدين، أو إعطاء الشيوخ قداسة تقارب منازل الأنبياء.
٧ - اتباع العوائد والمشايخ:
ويظهر هذا في بدع التشيع والتصوف بصورة جلية، مع أنه لا تكاد طائفة من طوائف المبتدعة تخلو من ذلك ...
فعند الشيعة الإمامية: اعتقاد العصمة في أئمتهم، وكذلك عند الإسماعيلية وسائر فرق الباطنية.
وعند الصوفية اعتقاد الولاية لفلان، وأنه أعظم من الأنبياء أو مساوٍ لهم إلا أنه لا يوحى إليه، ولا يحق للمريد أن يعترض أو يرفض أمر الشيخ، فإن ذلك نقص في الاتباع حتى قالوا: ليكن المريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل، وحتى عند أصحاب البدع الكلامية الذين يزعمون أن طريقتهم في الاعتقاد برهانية يقينية، يجعلون كلام أساتذتهم وقواعدهم الفلسفية من المسلمات التي لا يصح الاعتراض عليها، فضلاً عن نقضها، ولهذا فإنك تجد المعتزلي يقرر قاعدة بدعية ويستدل عليها بقوله - مثلا - وقد تقرر برهان هذه القاعدة في مسألة الحسن والقبح، وكذلك يفعل الأشعري، وعندما تعود إلى قاعدتهم تجدها من بدع مشايخهم أهل الكلام ...
وأما اتباع العوائد فيظهر مثالها في الأيام المخصصة بنوع ٍ من العبادات المبتدعة، فيحتج المبتدع بأن هذا الفعل اعتاده الناس منذ كذا وكذا، وجرى العمل به في الأقطار، وتلقاه الناس جيلا فجيلا، وأمثال ذلك من الحجج الواهية.
٨ - اتخاذ الناس رؤوساً جهالاً يقومون بالفتوى والتعليم ويقولون في دين الله بغير علم حيث تكثر الاستحسانات التي قوامها ميل الأهواء والاَراء، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم ينتزعه انتزاعاً من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم