للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معنى للبدعة إلا أن يكون الفعل في اعتقاد المبتدع مشروعاً، وليس بمشروع" (١) ...


(١) ووجه هذه القاعدة عند الإمام الشاطبي – رحمه الله - اعتقاد الفعل المباح، أو المكروه، أو المحرم مشروعا وسنة يتقرب بها لله عزوجل، قال في "الإعتصام" (٢/ ١٠٨): (حكى الماوردي أن الناس كانوا إذا صلوا في الصحن من جامع البصرة أو الطرقة ورفعوا من السجود مسحوا جباههم من التراب، لأنه كان مفروشا، فأمر زياد بإلقاء الحصا في صحن المسجد، وقال: لست آمن من أن يطول الزمان فيظن الصغير إذا نشأ أن مسح الجبهة من أثر السجود سنة في الصلاة، وهذا في مباح، فكيف به في المكروه أو الممنوع؟
ولقد بلغني في هذا الزمان عن بعض من هو حديث عهد بالإسلام أنه قال في الخمر: ليست بحرام ولا عيب فيها، وإنما العيب أن يفعل بها ما لا يصلح كالقتل وشبهه.
وهذا الاعتقاد لو كان ممن نشأ في الإسلام كان كفرا، لأنه إنكار لما علم من دين الأمة ضرورة.
وسبب ذلك ترك الإنكار من الولاة على شاربها، والتخلية بينهم وبين اقتنائها، وشهرته بحارة أهل الذمة فيها، وأشباه ذلك.
ولا معنى للبدعة إلا أن يكون الفعل في اعتقاد المبتدع مشروعا وليس بمشروع).
وهذه القاعدة التي ذكرها الشاطبي تحتاج لبعض القيود، وقد راسلت الشيخ الغامدي – حفظه الله – حول هذه القاعدة فأفاد أن: (المشروعية هي ما أمر الشرع به أمر ايجاب أو استحباب). فلكي يصح هذا المحمل لابد من التنصيص عليه في القاعدة إذ أن المشروع يدخل فيه المباح، والمكروه، وهما قد لا يصاحب فاعلهما نية التقرب بهما. قال الحطاب في "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل " (١/ ٤٤٢): (وقد يقال: إن لفظ المشروعية لا يقتضي أنه مطلوب؛ لأن لفظ المشروعية قد يستعمل فيما هو أعم من المطلوب كالبيع والإجارة، قاله ابن عبد السلام في أول باب الأذان، وقاله ابن فرحون، وقال: إنه يطلق على المباح).
وقد سبق وأن قررت خطأ الحكم بالبدعية لمجرد إلحاق حكم شرعي بأي حدث، وإن لم يصاحبه نية التقرب، كمن قال بوجوب اختراع الأدوية الحديثة لعلاج المسلمين، واختراع الأسلحة القوية لمقاتلة الأعداء، ونحو ذلك وهذه من العادات التي لا تدخل في البدع، ومن ذلك أيضا من قال علي سبيل الكذب بجواز لبس الحرير والذهب للرجال، فقوله لا يعدو أن يكون معصية، فظهر من هذا أن الحكم بالبدعية يدور حول نية التقرب لا لمجرد إلحاق حكم شرعي ولا نسبته للدين إن تصور خلو ذلك من نية التعبد.
وعليه فيتضح المقصود من القاعدة بأن يقال أن: معنى البدعة أن يتقرب المبتدع لله عز وجل بفعل لم يضعه الشارع للتقرب به كالمعاصي والمباحات فيتقرب به معتقدا أنه مندوب أو مستحب)، وإنما لم أذكر المكروه؛ لأن المكروه وإن كان الأولى تركه إلا أنه قد يفعل بنية التقرب فيصير قربة، كأن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بقصد بيان جواز فعله، وانه ليس بنحرم فهنا يصير هذا المكروه قربة في حقه للبيان، وله شروط ذكرها الشاطبي والأشقر في "أفعال الرسول" ليس الآن محل الكلام عليها،، واسضا النذر ابتداءا عبادة وهو مكروه لنهي الشارع عنه، وأيضا الوصال في الصوم، وهكذا فهذا هو وجه عدم ذكري للمكروه؛ لأنه يصح التعبد به في بعض الأحوال وبعض العبادات.

<<  <   >  >>