للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما ما ذكر من أمثلة لتقوية رأيه، فالفرق بينها ليس ما ذكر من اشتراط موافقة الجميع، ولكنهم ردوا قول عمر في التمتع، وعثمان في الإتمام؛ لمخالفتهما للسنة المستقرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد تمتع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينقل عنه أنه أتم في سفر وقد كان إماماً للمسلمين، وهذا يرد تأول عثمان، ويجعله مخالفاً للسنة. وعليه فكان الأولى به القول باشتراط عدم مخالفة سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ما ذكر.

(القول الرابع: المراد اتفاق الخلفاء الأربعة لا إذا انفرد واحد منهم.

قال المباركفوري: [وقد حقق البرماوي الكلام في شرح ألفيته في أصول الفقه، مع أنه قال إنما الحديث الأول يدل على أنه إذا اتفق الخلفاء الأربعة على قول كان حجة لا إذا انفرد واحد منهم] (١).

وهذا القول مخالف لظاهر الحديث، قال ابن القيم: [يتناول ما أفتى به جميعهم أو أكثرهم أو بعضهم لأنه علق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدون ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء في آن واحد فعلم أن ما سنه كل واحد منهم في وقته فهو من سنة الخلفاء الراشدين] (٢)

الترجيح:

وبعد فبالنظر إلى لفظ الحديث يتبين رجحان القول الأول أن المراد جميع سنتهم سواء أكانت راجعة إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أم اجتهادية، وذلك للوجوه الآتية:

١ - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كرر لفظ: سنة، وأضافها إلى لفظ الخلفاء؛ فعمت جميع سنتهم سواء أكانت راجعة إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أم اجتهادية منهم في حال خلافتهم فيما استجد لهم من أمور، كنحو حروب الردة، والأذان الثالث، وتضمين الصناع، وجمع القرآن، وقتل الجماعة بالواحد، وغير ذلك.

٢ - ويُقوِّي هذا الوجه في الحديث أن الأصل في الكلام التأسيس لا التأكيد؛ لأن إعمال الكلام أولى من إهماله.

٣ - وأن الأصل في العطف المغايرة. (٣)


(١) تحفة الأحوذي (٣/ ٤٠) / وانظر البحر المحيط للزركشي (٦/ ٤٥١).
(٢) إعلام الموقعين (٤/ ١٤٠).
(٣) انظر البحر المحيط (٣/ ٢٢٤)، شرح التلويح (١/ ٢١٤)، وغيرهما.

<<  <   >  >>