أولها: أن الحقائق الدينية عندنا لا تنفك أبداً عن أسباب صيانتها ودواعى حمايتها، فهى مغلفة بغطاء صلب يكسر أنياب الوحوش إذا حاولت قضمها.
وذلك هو السر فى بقاء عقائدنا سليمة برغم المحاولات المتكررة لاستباحتها، تلك المحاولات التى نجحت فى اجتياح عقائد أخرى أو الانحراف بها عن أصلها.
ثم إن الإسلام جعل حراسة الحق أرفع العبادات أجراً، أجل فلولا يقظة أولئك الحراس وتفانيهم ما بقى للإيمان منار، ولا سرى له شعاع " قيل يا رسول الله ما يعدل الجهاد فى سبيل الله؟ قال: لا تستطيعونه! فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثة، كل ذلك يقول: لا تستطيعونه! ثم قال: مثل المجاهد فى سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام.. حتى يرجع المجاهد فى سبيل الله "[البخارى] .
وإذا كان فقدان الحياة أمراً مقلقاً لبعض الناس فإن ترك الدنيا بالنسبة لبعض المجاهدين بداية تكريم إلهى مرموق الجلال شهى المنال حتى أن النبى صلى الله عليه وسلم حلف يرجو هذا المصير.
" والذى نفس محمد بيده لوددت أن أغزو فى سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل "[البخارى] .
فأى إغراء بالاستماتة فى إعلاء كلمة الله ونصرة الدين أعظم من هذا الإغراء؟
لقد كانت صيحة الجهاد المقدس قديماً تجتذب الشباب والشيب وتستهوى الجماهير من كل لون، فإذا سيل لا آخر له من أولى الفداء والنجدة يصب فى الميدان المشتعل. فما تضع الحرب أوزارها إلا بعد أن تكوى أعداء الله وتلقنهم درساً لا ينسى.
هل أصبحت هذه الخصائص الإسلامية ذكريات مضت أم أنها محفورة فى عقلنا الباطن تحتاج إلى من يزيل عنها الغبار وحسب؟
إن الاستعمار الذى زحف على العالم الإسلامى خلال كبوته الأخيرة بذل جهوداً هائلة لشغل المسلمين عن هذه المعانى أو لقتل هذه الخصائص النفسية فى حياتهم العامة، وذلك ليضمن فرض ظلماته ومظالمه دون أية مقاومة!