" غير أن هذا الأسلوب النظرى لم يلهب حماس الجنود، ولم يحقق الغرض الذى ابتدعه الصليبيون من أجله، فكان لا بد من أسلوب آخر ينطوى على واقعة مادية يكون من شأنها إعادة الإيمان إلى القلوب التى استبد بها اليأس، وتقوية العزائم التى أوهنتها الحرب. وهنا أذيع بين الجنود قصة اكتشاف الرمح المقدس..
" تلك الواقعة التى روى تفاصيلها المؤرخ " جيبون " فضلاً عن غيره من المؤرخين المعاصرين. قال:..
" إن قساً يدعى بطرس بارتلمى من التابعين لأسقفية " مارسيليا " منحرف الخلق ذا عقلية شاذة، وتفكير ملتو معقد زعم لمجلس قيادة الحملة الصليبية، أن قديساً يدعى " أندريه " زاره أثناء نومه، وهدده بأشد العقوبات إن هو خالف أوامر السماء، ثم أفضى إليه بأن الرمح الذى اخترق قلب عيسى عليه السلام مدفون بجوار كنيسة القديس بطرس فى مدينة " انطاكيا "، فروى " بارتلمى " هذه الرؤيا لمجلس قيادة الجيش، وأخبرهم بأن هذا القديس الذى طاف به فى منامه قد طلب إليه أن يبادر إلى حفر أرض المحراب لمدة أيام ثلاثة، تظهر بعدها " أداة الخلود " التى " تخلص " المسيحيين جميعاً، وأن القديس قال له: ابحثوا تجدوا.. ثم ارفعوا الرمح وسط الجيش، وسوف يمرق الرمح ليصيب أرواح أعدائكم المسلمين..
" وأعلن القس " بارتلمى " اسم أحد النبلاء ليكون حارساً للرمح، واستمرت طقوس العبادة من صوم وصلاة ثلاثة أيام دخل فى نهايتها اثنا عشر رجلاً ليقوموا بالحفر والتنقيب عن " الرمح " فى محراب الكنيسة (!) ..
" لكن أعمال الحفر والتنقيب التى توغلت فى عمق الأرض اثنى عشر قدماً لم تسفر عن شىء. فلما جن الليل أخلد " النبيل " الذى اختير لحراسة الرمح إلى شىء من الراحة، وأخذته سنة من النوم، وبدأت الجماهير التى احتشدت بأبواب الكنيسة تتهامس..!..
" فاستطاع القس " بارتلمى " فى جنح الظلام أن ينزل إلى الحفرة، مخفياً فى طيات ثيابه قطعة من نصل رمح أحد المقاتلين العرب، وبلغ أسماع القوم رنين من جوف الحجرة، فتعالت صيحاتهم من فرط الفرح، وظهر القس وبيده النصل الذى احتواه بعد ذلك قماش من الحرير الموشى بالذهب، ثم عرض على الصليبيين ليلتمسوا منه