الاستشراق والتنصير كانا من أخطر الوسائل التي سلكها الاستعمار في تنفيذ سياسته في العالم الإسلامي، ولا أشك في أنهما وجهان لعملة واحدة، وهو موقف الصليبية المعاصرة من العالم الإسلامي، أقول الصليبية ولا أقول المسيحية، وينبغي أن يكون القارئ على وعي بالفروق الجوهرية بينهما.
لأن المسيحية دين نؤمن بما نزل منه على عيسى عليه السلام، أما الصليبية المعاصرة، فهي موقف وأيديولوجية، هي تكوين سياسي وثقافي نرفضه ونحاربه.. نرفضه كاتجاه ثقافي يهدف إلى احتواء الإسلام بحضارته وثقافته، الصليبية موقف واتجاه يهدف إلى تذويب حضارتنا وخصوصيتنا في حضارة الغرب وثقافته، ولعل رءوس الفتن التي تطل علينا بين الحين والآخر تحت ستار التنوير والتقدمية هي من آثار جهود هاتين الظاهرتين، وهذه الدراسة الموجزة التي أقدمها؛ تلبية لرغبة كلية الشريعة آمل أن تكون محققة للمطلوب منها. توخينا فيها الإيجاز غير المخل بالمقصود مكتفين بإثارة القضايا الكبرى التي التي تمثل المحاور العامة والأهداف الكبرى والمقصودة، رغبة في توضيحها وتعريفها لتكشف النقاب عن هذه الروح الصليبية التي يتعامل به الغرب مع العالم الإسلامي، وليس ذلك من باب إثارة الأحقاد وزرع الضغائن، وإنما من باب تجلية المواقف وكشف الحقائق، تناولنا خلال القسم الأول ظاهرة الاستشراق وارتباطها تاريخيًّا بالحروب الصليبية، ثم بيَّنَّا موقف المستشرقين من أهم القضايا الكبرى؛ القرآن، النبي، "والفكر الإسلامي" مؤيدين ذلك بنصوصهم