يرتبط موقف المسشرقين من القرآن الكريم بموقفهم من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يقفون من النبي موقف الإنكار المطلق، وقد ينكر بعضهم أصل النبوة أساسا ولا يعترف بها إطلاقا، لأي من أنبياء الله ورسله، وهذا الإنكار يترتب عليه القول بأن محمدا ليس نبيا وبالتالي فإن القرآن حسب زعمهم لا يكون وحيًا من السماء، وإنما هو من عند محمد ومن وضعه هو، وليس كتابا إلهيًّا ولا وحيًا سماويًّا.
ومعلوم أن الإيمان بالنبي والنبوة أصل من أصول الاعتقاد التي لا تقبل الشك يؤمن بها كل مسلم إيمانا جازما كإيمانه بالله وهي المفتاح الحقيقي لتقبل كل ما جاء به الوحي والإيمان به.
والنبوة في جوهرها إنباء الله عبدًا من عباده بشرع ما، فإن أمره بتبليغ هذا الشرع إلى الناس كان رسولا نبيا، وإن لم يأمره بالتبليغ كان نبيا فقط، والنبوة في جوهرها اصطفاء ووهب وعطاء من الله، وليست كسبا ولا اجتهادا كما يرى بعض الفلاسفة، وما بلغته الرسل من الله نزل به الروح الأمين على قلب محمد وغيره من الرسل ليكونوا من المنذرين به، فنزل القرآن بالعربية، والإنجيل بالسريانية، والتوراة بالعبرية؛ تحقيقا لمعنى قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}[إبراهيم: ٤] ، وهذا الوحي ليس فيضًا من العقل الفعال كما تدعى الفلاسفة، وليس إلهامًا ولا إبداعًا لعبقرية محمد كما يقول بعض المستشرقين، إنما هو وحي من الله على قلب الرسل بواسطة ملك الوحي جبريل -عليه السلام- فهو من عند الله بلفظه ومعناه.