١- لا نستطيع الجزم بتحديد من هو أول شخص نبتت في ذهنه فكرة الاستشراق وغزو الشرق من الداخل، إلا أن معظم المحققين لهذه المسألة يكادون يجمعون على أن بداية هذه الحركة نشأت في نهاية القرن العاشر الميلادي وأوائل القرن الحادي عشر بفرنسا، وإن الراهب الفرنسي "جرير دي أولياك ٩٣٨-١٠٠٣م" كان من أوائل المشتغلين بعلوم الشرق، وارتبطت باسمه بداية حركة الاستشراق، حيث رحل من فرنسا إلى أسبانيا مهد الحضارة الإسلامية في وقته، فتعلم فيها اللغة العربية، ووقف على علوم العرب في الرياضيات والطب والكيمياء والفلسفة، كما قرأ بعض العلوم الدينية حتى قيل إنه كان أوسع علماء عصره معرفة بعلوم العرب، وخاصة في الرياضيات والفلك، ثم ارتحل إلى روما حيث اشتهر من بين أقرانه بمعرفته الواسعة باللغة العربية وعلومها، وانتخب حبرًا أعظم باسم سلفستر الثاني "٩٩٩-١٠٠٣م" وكان بذلك أول بابا فرنسي، واستطاع من خلال منصبه الجديد أن ينشئ مدرستين؛ لتدريس اللغة العربية وعلومها، وكانت الأولى في روما مقر البابوية، والثانية في وطنه الأصلي "دايمس"، ثم أنشأ بعد ذلك مدرسة ثالثة تسمى مدرسة "شارتر"، وقام هذا الراهب الفرنسي بترجمة بعض الكتب العربية في الرياضة والفلك، وإليه يرجع الفضل في انتشار الأعداد العربية في أوربا التي كانت ينقصها رقم الصفر، ولم تكن تعرفه حتى نقله إليها "جرير دي أولياك" من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية.
٢- ثم جاء بعده "قسطنطين الأفريقي ١٠٨٧"، "بطرس المحترم ١٠٩٢-١١٥٦م" و"أرجو دي سانتلا ١١٠٧م" ثم "جيرارد كريمون ١١١٤-١١٨٧م"، ثم تتابع رواد هذه الحركة وتكاثرت أعدادهم واختلفت جنسياتهم بحيث شملت معظم دول أوربا