العجز المطلق، وهذا في حد ذاته برهان تام على صدق القرآن، وصدق أنه آية على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه آية ظاهرة وباقية إلى يوم القيامة، وليس القصد هنا الحديث عن إعجاز القرآن؛ فإن ذلك له مجال آخر، ولكن الذي أود الإشارة إليه أن دلائل ألوهية المصدر القرآني متنوعة ومتعددة، وكلها من أوجه إعجاز القرآن، وكل وجه منها دليل على صدق النبي، وفي نفس الوقت دليل على أن القرآن من عند الله، ولما قص القرآن علينا موقف مشركي مكة ودعواهم الكاذبة في أن القرآن من عند محمد قال لهم:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ}[النساء: ١٦٦] أي: كفاك يا محمد أن الله وملائكته يشهدون بما أنزل إليك، ثم أعاد التحدي في المدينة مع أهل الكتاب بعد الهجرة، فقال في سورة البقرة:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ، ثم قال {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[البقرة: ٢٤: ٢٣] ، فدلت الآية على أمرين؛ الأول قوله:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} يعني إذا لم تفعلوا فقد علمتم أنه حق، وينبغي أن تعترفوا بذلك وتؤمنوا به.