التدليس اسم ثقيل شنيع الظاهر لكنه خفيف الباطن سهل المعنى، فهو محمول على غير المحرم منه، ذكر ذلك كله العلامة السخاوي رحمه الله.
ثم إن فريقا ممن ذمه جرحوا بسببه فاعله كما أشار إليه بقوله (وقيل) أي قال فريق من أهل الحديث والفقهاء زيادة على ذمه (بل) للإضراب الانتقالي (جرح) بالبناء للفاعل، والفاعلُ ضمير يعود إلى التدليس وقوله (فاعله) مفعوله أي جرح التدليس فاعلَه، ويحتمل ضبط جرح بالبناء للمفعول وفاعِلُهُ نائب الفاعل أي جرح فاعل التدليس بسببه فردت روايته كلها (ولو) للتقليل كما في " التمس ولو خاتماً من حديد "(بمرة) واحدة (وضح) أي ظهر التدليس قال الشافعي رحمه الله: من عُرِف بالتدليس ولو مرة لا يقبل منه ما يقبل من أهل النصيحة في الصدق حتى يقول حدثني أو سمعت اهـ قال السخاوي: وبيان ذلك أنه بثبوت تدليسه مرة صار ذلك هو الظاهر من حاله في معنعناته، كما أنه إذا ثبت اللقاء مرة صار الظاهر من حاله السماع، وكذا من عرف بالكذب في حديثٍ واحدٍ صار الكذب هو الظاهر من حاله وسقط العمل بجميع حديثه مع جواز كونه صادقاً في بعضه. اهـ كلام السخاوي.
وحاصل المعنى: أن التدليس جرح لفاعله يرد به ما رواه مطلقا سواء بين السماع أم لا دلس عن الثقات أم لا ولو ظهر منه مرة واحدة، وهو منقول كما قال ابن الصلاح تبعاً للخطيب وغيره عن فريق من المحدثين والفقهاء حتى بعض من احتج بالمرسل لما فيه من التهمة والغش حيث عدل عن الكشف إلى الاحتمال وكذا التشبعُ بما لم يُعطَ حيث يوهم السماع لما لم يسمعه والعلو وهو عنده بنزول الذي، قال ابن دقيق العيد: إنه أكثر قصد المتأخرين به، وممن حكى هذا القول القاضي عبد الوهاب في المخلص وقيده ابن السمعاني في القواطع بما إذا استكشف فلم يخبر باسم من يروي عنه قال لأن التدليس تزوير وإيهام لما لا حقيقة له أما إذا أخبر فلا. قاله السخاوي.
والقول الثاني: القبول مطلقاً صرحوا أم لا حكاه الخطيب عن خلق كثيرين من أهل العلم قال وزعموا أن نهاية أمره أن يكون مرسلاً.