قال السخاوي: يعني إما لمجيئها من وجه آخر بالتصريح، أو لكون المعنعن لا يدلس إلا عن ثقة أو عن بعض شيوخه أو لوقوعها من جهة بعض النقاد المحققين سماع المعنعن لها، ولذا استثنى من هذا الخلاف الأعمش وأبو إسحاق وقتادة بالنسبة لحديث شعبة خاصة عنهم فإنه قال: كفيتكم تدليسهم، فإذا جاء حديثهم من طريقه بالعنعنة حمل على السماع جزماً، وأبو إسحاق فقط بالنسبة لحديث القطان عن زهير عنه، وأبو الزبير عن جابر بالنسبة لحديث الليث خاصة، والثَّوري بالنسبة لحديث القطان عنه، بل قال البخاري: لا يعرف لسفيان الثَّوري عن حبيب بن أبي ثابت، ولا عن سلمة بن كهيل، ولا عن منصور، ولا عن كثير من مشايخه تدليس، ما أقل تدليسه، اهـ كلام السخاوي.
(تنبيهات): الأول: قد اعترض استثناءَ ما في الصَّحِيح صدرُ الدين بن المُرَجَّل في كتاب الإنصاف فقال في هذا الاستثناء غصَّة لأنها دعوى لا دليل عليها لا سيما أنا قد وجدنا كثيراً من الحفاظ يعللون أحاديث وقعت في الصَّحِيحين أو أحدهما بتدليس رواتها وكذلك استشكل ذلك قبله المحقق ابن دقيق العيد فقال: لا بد من الثبوت على طريق واحدة إما القبول مطلقاً في كل كتاب أو الرد مطلقاً في كل كتاب وأما التفرقة بين ما في الصَّحِيح من ذلك وما خرج عنه فغاية ما يوجه به أحد أمرين: إما أن يُدَّعَى أن تلك الأحاديث عَرَفَ صاحب الصَّحِيح صحة السطع فيها، قال: وهذا إحالة على جهالة وإثبات أمر بمجرد الاحتمال، وأما أن يُدَّعى أن الإجماع على صحة ما في الصَّحِيحين دليل على وقوع السماع في هذه الأحاديث وإلا لكان أهل الإجماع مجمعين على خطأ وهو ممتنع، قال: لكن هذا يحتاج إلى إثبات الإجماع الذي يمتنع أن يقع في نفس الأمر خلاف مقتضاه، قال: وهذا فيه عسر، قال: ويلزم على هذا أن لا يستدل بما جاء من رواية المدلس خارج الصَّحِيح ولا نقول هذا على شرط مسلم مثلاً لأن الإجماع المدعى ليس موجوداً في الخارج انتهى، نقله الصنعاني في التوضيح.