وهذ التفصيل هو خامس الأقوال في المدلسين (واعلم) أن في رواة الصَّحِيحين جماعة من المشاهير بالتدليس كالأعمش وهشيم وقتادة والثَّوري وابن عيينة والحسن البصري وعبد الرزاق والوليد بن مسلم وغيرهم وإليه أشار العراقي حيث قال:
وفي الصَّحِيح عِدَّة كالأعمش ... وكهشيم بعده ففتش
فقال النووي رحمه الله: إن ما فيهما وفي غيرهما من الكتب الصَّحِيحة بعن محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى وإليه أشار بقوله:
(وما) شرطية أو موصولة مبتدأ أي الحديث الذي (أتانا) أي وصل إلينا عن المدلسين كقتادة والسفيانين (في الصَّحِيحين) حال من الفاعل أي حال كونه في كتابي البخاري ومسلم وكذا غيرهما ممن التزم الصحة (بعن) حال من الفاعل أيضاً أي حال كونه مروياً بصيغة تحتمل السماع وعدمه كعن ونحوها (فحمله) أي حمل ذلك الحديث مبتدأ (على ثبوته) أي ثبوت ذلك الحديث بالسماع له من جهة أخرى متعلق بقوله (قمن) أي حقيق قال في " ق " وشرحه القمين كأسير، والقمن ككتف، وجبل: الخليق، والجدير قال ابن سيده هو قَمِن بكذا وقَمِن منه، وقَمِينٌ: أي حَرِيٌّ وخَلِيق، وجَدِير، والمُحرَّكَةُ لا تثني ولا تجمع ولا تؤنث إن أريد بها المصدر يقال هما قمن وهم قمن وهن قمن، وإن أريد بها النعت تثنى وتجمع وتؤنث وكذا المكسورة الميم والتي فيها الياء. اهـ بتصرف. وهو خبر المبتدإ والجملة جواب الشرط، أو خَبَرُ المَوصُولِ ودخلت الفاء في الخبر لما في المبتدإ من معنى العموم.
وحاصل معنى البيت أن ما جاء في الصَّحِيحين ونحوهما من المدلسين بعن ونحوها فهو محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى وإنما اختار صاحب الصَّحِيح طريقة العنعنة على طريق التصريح بالسماع لكونها على شرطه دون تلك، وقال القطب الحلبي في القدح المُعلَّى: أكثرُ العلماء أن المعنعنات التي في الصَّحِيحين منزلة منزلة السماع.