وأنسابهم إلى قبائلهم وبلدانهم وحرفهم وألقابهم وكناهم وكذا الحال في آبائهم فتدليس الشيوخ دائر بين ما وصفنا فمن أحاط علماً بذلك لا يكون الرجل المدلَّس عنده مجهولًا وتلك أنزل مراتبه.
وقد بلغنا أن كثيراً من الأئمة الحفاظ امتحنوا طلبتهم المهرة بمثل ذلك فشُهِدَ لهم بالحفظ لَمَّا تسارعوا إلى الجواب عن ذلك.
وأقرب ما وقع من ذلك أن بعض أصحابنا كان ينظر في كتاب العلم لأبي بكر بن أبي عاصم فوقع في أثنائه حدثنا الشافعي حدثنا ابن عيينة فذكر حديثاً فقال لعله سقط منه شيء فالتفت إلي فقال ما تقول؟ فقلت الإسناد متصل وليس الشافعي هذا محمد بن إدريس الإمام بل هذا ابن عمه إبراهيم بن محمد بن العباس ثم استدللت على ذلك بأن ابن أبي عاصم معروف بالرواية عنه وأخرجت من الكتاب المذكور روايته عنه وقد سماه ولقد كان ظن الشيخ في السقوط قوياً لأن مولد ابن أبي عاصم بعد وفاة الشافعي الإمام بمدة، وما أحسن ما قال ابن دقيق العيد: إن في تدليس الثقة مصلحةً وهي امتحان الأذهان في استخراج ذلك وإلقاؤه إلى من يُراد اختبار حَفظه ومعرفته بالرجال، وفيه مفسدة من حيث إنه قد يخفى فيصير الراوي المُدَلَّس مجهولًا لا يُعرف فيسقط العمل بالحديث مع كونه عدلا في نفس الأمر.
قال الحافظ: وقد نازعته في كونه يصير مجهولاً عند الجميع لكن مفسدته أن يوافق على ما يدلس به شهرة راو ضعيف يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه فيصير الحديث من أجل ذلك ضعيفاً وهو في نفس الأمر صحيح، وعكس هذا في حق من يدلس الضَّعِيف ليُخْفِيَ أمره فينتقل من رتبة من يرد خبره مطلقاً إلى رتبة من يتوقف فيه فإن صادف شهرة راو ثقة يمكن أخذ ذلك الراوي عنه فمفسدته أشد كما وقع لعطية العوفى تكنيتُهُ محمد بنَ السائب الكلبي أبا سعيد فكان إِذا حدث عنه يقول: حدثني أبو سعيد فيوهم أنه أبو سعيد الخدري لأن عطية كان قد لقيه وروى عنه وهذا أشد ما بلغنا من مفسدة تدليس الشيوخ انتهى وقد نقله في التوضيح.