للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " رواه مسلم. قوله يرى بضم الياء وفتحها روايتان، وقوله الكاذبين بكسر الباء وفتحها بلفظ الجمع والمثنى.

وسواء علم بوضعه بنفسه إن كان عالماً بذلك، أو أخبره به عالم ثقة.

قال السخاوي رحمه الله: وكفى بهذه الجملة يعني قوله أحد الكاذبين وعيداً شديداً في حق من روى الحديث وهو يظن أنه كَذِبٌ فضلًا عن أن يتحقق ذلك، ولا يبينه لأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل المحدث بذلك مشاركاً للكاذب في وصفه، وقد روى الثَّوري عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال من روى الكذب فهو الكذاب، ولذا قال الخطيب: يجب على المحدث أن لا يروي شيئا من الأخبار المصنوعات والأحاديث الباطلة فمن فعل ذلك باء بالإثم المبين، ودخل في جملة الكذابين، وكتب البخاري على حديث موضوع: " من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد، والحبس الطويل "، اهـ.

فأما إذا بَيَّنَ حالَه فلا بأس بذكره لأن البيان يزيل من ذهن السامع ما يخشى من اعتقاد نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

والمراد بالبيان هو الصريح كأن يقول هذا كذب أو باطل ونحوهما، ولا يقتصر على قوله موضوع لأنه ربما يوجد من لا يعرف معنى الموضوع، كما حكى السخاوي أن بعض العجم أنكر على العراقي قوله في حديث سئل عنه: إنه كذب، محتجاً بأنه في كتاب من كتب الحديث ثم جاء به من الموضوعات لابن الجوزي، فتعجبوا من كونه لا يعرف موضوع الموضوع، وكذا لا يبرأ من العهدة في هذه الأعصار بالاقتصار على إيراد إسناده بذلك، وإن صنعه أكثر المحدثين في الأعصار الماضية كالطبراني، وأبي نعيم، وابن منده. وقال الخطيب: ومن روى حديثاً موضوعاً على سبيل البيان لحال واضعه، والاستشهاد على عظيم ما جاء به والتعجب منه والتنفير عنه ساغ له ذلك، وكان بمثابة إظهار جرح الشاهد في الحاجة إلى كشفه والإبان عنه. اهـ كلام السخاوي باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>