الأولى: مسألة الاحتجاج بمن لا يحفظ حديثه، وإنما يحدث من كتبه معتمداً عليها.
فذهب الجمهور إلى جواز الرواية بذلك وثبوت الحجة به إذا كان قد ضبط سماعه وقابل كتابه على الوجه المعتبر في ذلك، ولو غاب عنه الكتاب إذا كان الغالب عليه السلامة من التغيير ولا سيما إن كان ممن لا يخفى عليه التغيير غالباً لأن الاعتماد في باب الرواية على غالب الظن.
وذهب قوم إلى منع الاحتجاج بذلك قالوا: لا حجة إلا فيما روى من حفظه وتذكره. رُوِيَ ذلك عن أبي حنيفة، ومالك، وأبي بكر الصيدلاني المروزي الشافعي.
الثانية: إذا وجد المحدث سماعه في كتابه بخطه، أو خط من يثق به سواء الشيخ أو غيره، فلا يخلو إما أن يتذكره، أولا، فإن تذكره جازت له روايته بلا خلاف، إن كان حافظاً له، وعلى المعتمد إن لم يكن حَافِظاً له، وإن لم يذكر سماعه ولا عدمه ففيه الخلاف، والصَّحِيح جواز الرواية، وعليه الشافعي، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، والأكثرون من أصحاب الشافعي، لعمل العلماء به سلفاً وخلفاً، وباب الرواية على التوسعة.
وعن أبي حنيفة، وبعض أصحاب الشافعي لا تجوز روايته له حتى يتذكر، وأما إذا ذكر السماع ولكن لم يجد بذلك خطا، فقال السخاوي رحمه الله: المعتمد الجواز.
الثالثة: أنه إذا غاب عنه الكتاب وكان اعتماده عليه دون الحفظ فذهب بعض أهل التشديد في الرواية إلى أنه لا تجوز الرواية منه، لغيبته عنه، وجوازِ التغيير فيه، والصواب الذي عليه الجمهور، كيحيى القطان، وفضيل بن ميسرة، وغيرهما من المحدثين كما حكاه عنهم الخطيب، وجنح إليه أنه إذا كان الغالب على الظن من أمره سلامته من التغيير جازت الرواية منه لا سيما إذا كان ممن لا يخفى عليه في الغالب إذا غُيِّرَ ذلك أو شيء منه، لأن باب الرواية مبني على غلبة الظن فإذا حصل أجزأ.