قال أبو عاصم النبيل:" من طلب هذا الحديث فقد طلب أعلى الأمور فيجب أن يكون خير النَّاس ".
(ثم) بعد أن تَخَلَّقْتَ بها (حصل) أي اطلب حصول علم الحديث، وعَبَّرَ بالتحصيل الذي هو كما قال ابن فارس: استخراج الذهب من حَجَرِ المعدن، إشارةً إلى أنه لا بدّ لطالب العلم من جِدٍّ واجتهاد، قال الله تعالى لنبيه موسى عليه الصلاة والسلام لما أعطاه الألواح:(فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ) الآية.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً " احرص على ما ينفعك واستعن باللهِ ولا تعجز " وقال يَحْيَى بن أبي كثير: لا ينال العلم براحة الجسم.
(من أهل مصرك) متعلق بحصل أي تَطَلبْهُ من أهل بلدك (العلي) صفة لأهلِ، أي الرفيع سنداً وعلماً وشهرة وديناً وغيره (فالعلي)، أي إذا انتهيت من الأعلى فاطلبه ممن دونه عُلُوًّا.
وحاصل المعنى: أنه ينبغي للطالب أن يبدأ بالسماع من أرجح شيوخ بلده إسناداً وعلماً وشهرة وديناً وغيره إلى أن يفرغ منهم يبدأ بأفرادهم، فمن تفرد بشيء أخذه عنه أوَّلاً ولا يرحل عن بلده قبل ذلك، إذا المقصود من الرحيل هو العلو، ولقاء الحفاظ، فحيث حصلا في البلد لا فائدة في الارتحال.
(ثم) إذا أتقنت ما في بلدك (البلاد) الأخرى منصوب بنزع الخافض متعلق بـ (ـارحل) أي انتقل لطلب الحديث من بلدك إلى البلاد الأخرى، فإنه من عادة الحفاظ المبَرِّزِينَ، والأصل فيه قوله تعالى:(فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) الآية.