للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحاصل المعنى: أن الجمع بين الحديثين إن أمكن بوجه صحيح تعين المصير إليه لعدم التنافر بينهما، ولا يصار إلى التعارض، ولا النسخ، بل يجب العمل بهما معاً.

ثم ذكر مثالاً لما يمكن فيه الجمع بقوله:

٦٤٣ - كَمَتْنِ " لا عَدْوَى " وَمَتْنِ فِرَّا " ... فَذَاكَ لِلطَّبْعِ، وَذَا لاِسْتِقْرَا

٦٤٤ - وَقِيلَ: بَلْ سَدُّ ذَرِيعَةٍ، وَمَنْ ... يَقُولُ مَخْصُوصٌ بِهَذَا: مَا وَهَنْ

(كمتن لا عدوى) خبر لمحذوف أي ذلك كمتن " لا عدوى ولا طيرة " فإنه يدل على نفي الإعداء مطلقاً، وعدوى اسم من الإعداء، يقال: أعداه الداء إعداء، وهو أن يصيبه مثلُ ما أصاب صاحبَ الداء.

(ومَتْنِ فِرَّا) بألف الإطلاق وهو حديث " فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد " فإنه يدل على إثبات الإعداء، وكلاهما في الصَّحِيح، فقد سلك العلماء في وجه الجمع بينهما مسالك أشار إلى الأول بقوله: (فـ) ـقال بعضهم: (ذاك) أي الحديث الأول (للطبع) أي ناف له يعني: أن الأمراض لا تُعدِي بطبعها (وذا) أي الحديث الثاني (لاستقرا) أي كائن لأجل التتبع، يقال: استقرأت الأشياء تتبعت أفرادها لمعرفة أحوالها وخواصها. اهـ مصباح، أي أن التتبع لما أجراه الله من العادة جعل مخالطة المريض بالصَّحِيح سبباً لإعدائه مرضه.

والحاصل: أن الحديث الأول نَفَى لما يعتقده أهل الجاهلية، وبعض الحكماء من أن هذه الأمراض من الجذام والبرص تُعدِي بالطبع، ولهذا قال: " فمن أعدى الأول "؟

والحديث الثاني: بَيَّنَ أن الله تعالى جعل مخالطة المريض الصَّحِيح سبباً لإعدائه مرضه، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب فحذر من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجود سببه بفعله تعالى.

وهذا المسلك هو الذي سلكه ابن الصلاح. وأشار إلى الثاني بقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>