الخطاب في نيف وثلاثين قضية من موطأ مالك خاصة وخالفوا أبا بكر وعائشة وابن عمر وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والزهري وغيرهم من فقهاء المدينة في كثير من أقوالهم جدا فإن كان تقليد أهل المدينة واجبا فمالك مخطىء في خلافه لهؤلاء فيجب عليهم أن يتركوه إذا خالف من أهل المدينة والحقيقة التي لا شك فيها هي أن مرادهم بالدعاء إلى أهل المدينة والتشييع بوجوب طاعتهم إنما هو دعاء إلى قول مالك وحده لا يبالون بأحد سواه من أهل المدينة وأعجب من هذا أنهم فيما يدعون فيه إجماع أهل المدينة من المسائل ليس عندهم في صحة ذلك إلا نقل مالك وحده ومن المحال أن يثبت الإجماع بنقل واحد لا برهان بيده وكل ما جوزوه على سائر الثقات من رواة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمن دونه إلى قيام الساعة فهو جائز على مالك ولا فرق فظهر بطلان قولهم لكل ذي حس سليم وأيضا فإن مالك بن أنس رحمه الله لم يدع إجماع أهل المدينة في موطئه إلا في نحو ثمان وأربعين مسألة فقط مع أن الخلاف موجود من أهل المدينة في أكثر تلك المسائل بأعيانها وأما سائرها فلا خلاف فيها بين أحد لا مدني ولا غيره ولم يدع إجماعا في سائر مسائله فاستجاز أهل الجهل على الحقيقة من اتباعه الكذب المجرد والجهل الفاضح ونعوذ بالله من الخذلان في إطلاق الدعوى على جميع أقوالهم أو أكثرها أنها إجماع أهل المدينة وحتى لو صح لهم هذا القول الفاسد لوجب ألا تقبل رواية القاسم وأشهب وابن عبد الحكم وسائر المالكيين قديما وحديثا لأنهم ليسوا مدنيين فإن قال
قائل إنهم أخذوا عن أهل المدينة قيل وكذلك أهل البصرة والكوفة