كلها فهذا ما لا مجال للعقل فيه لا في إيجابه ولا في المنع منه وإنما في العقل الفهم عن الله تعالى لأوامره ووجوب ترك التعدي إلى ما يخاف العذاب على تعديه والإقرار بأن الله تعالى يفعل ما يشاء ولو شاء أن يحرم ما أحل أو يحل ما حرم لكان ذلك له تعالى ولو فعله لكان فرضا علينا الانقياد لكل ذلك ولا مزيد ومعرفة صفات كل ما أدركنا معرفته مما في العالم وأنه على صفة كذا وهيئة كذا كما أحكمه ربه تعالى ولا زيادة فيه وبالله تعالى التوفيق وإليه الرغبة في دفع ما لا نطيق
[الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات]
أعن توقيف أم عن اصطلاح قال أبو محمد أكثر الناس في هذا والصحيح من ذلك أصل الكلام توقيف من الله عز وجل بحجة سمع وبرهان ضروري فأما السمع فقول الله عز وجل {وعلم آدم الأسمآء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسمآء هؤلاء إن كنتم صادقين} وأما الضروري بالبرهان فهو أن الكلام لو كان اصطلاحا لما جاز أن يصطلح عليه إلا قوم قد كملت أذهانهم وتدربت عقولهم وتمت علومهم ووقفوا على الأشياء كلها الموجودة في العالم وعرفوا حدودها واتفاقها واختلافها وطبائعها وبالضرورة نعلم أن بين أول وجود الإنسان وبين بلوغه هذه الصفة سنين كثيرة جدا يقتضي في ذلك تربية وحياطة وكفالة من غيره إذ المرء لا يقوم بنفسه إلا بعد سنين من ولادته ولا سبيل إلى تعايش الوالدين والمتكفلين والحضان إلا بكلام يتفاهمون به مراداتهم فيما لا بد لهم منه فيما يقوم معايشهم من حرث أو ماشية أو غراس ومن معاناة ما يطرد به الحر والبرد والسباع ويعاني به الأمراض ولا بد لكل هذا من أسماء يتعارفون بها ما يعانونه من ذلك وكل إنسان فقد كان في حالة الصغر التي ذكرنا من امتناع الفهم